اللوحة: نهر النيل في أربعينيات القرن ١٩ للفنان الأسكتلندي ديفيد روبرتس
ترهقنا متابعة المشهد حول أزمة نهرنا الخالد (نهر النيل) وما نخوضه من حرب الضغوط الدبلوماسية المكثفة، والتي بدأ مسئولينا في الخارجية والري والدفاع يعلنون أننا وصلنا إلى طريق مسدود: فهل تخوض مصر أولى حروبها في العصر الحديث في قارتنا السمراء؟! من يملك ايقاف قطار المواجهة؟ من بمقدوره دفع القطار في اتجاه آخر؟
كيف يمكننا ايقاظ أثيوبيا من أوهامها؟ كيف يمكننا أن نتحمل إراقة قطرة واحدة من دمائنا الإفريقية؟ كيف يتحول نهر الحياة إلى أسطورة سوداء لصراع طويل بدأ من دون أن نعرف في أي حدود زمنية يمكن أن ينتهي؟
“النهر للجميع” يمكن أن يكون شعاراً جاداً ومهماً، لكن كيف نحول هذا الشعار إلى حقيقة واقعية ينطق بها الجميع ويشهد بصحته القاصي والداني؟ كيف ننافح عن حياض نهرنا الخالد وكيف نحفظ له قوة جريانه واندفاعه لآلاف الأميال من أجل احتضان أرضنا “أرض الكنانة”؟ كيف نعيد بناء منظومتنا السياسية في قارتنا السمراء؟ كيف نسترد دورنا وتأثيراتنا المتنوعة فكريا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا في الجار الأفريقي الأكثر التحاما معنا والمتقاطع معنا في دوائر أمننا القومي والاستراتيجي والحيوي؟ كيف نعيد طرح الأسئلة الغائبة والشائكة عمن أوصلنا إلى حافة الخطر، لا لعتاب أو توجيه سهام النقد الهدام، ولكن لتكون رؤيتنا نحو المستقبل أكثر وعيا وأكثر احترافية في حماية عمقنا الأفريقي؟
إجمالا المسألة تتجاوز فكرة النهر إلى فكرة الواجهة التي يتعين أن نوليها الاهتمام والقداسة، كيف تصبح إفريقيا البيت الحاضن لنا؟ كيف نغالب مصالحنا الأفريقية على كل مسارتنا الأخرى في دوائرنا العربية والاسلامية والبحر متوسطية؟
الأسئلة تتدفق ولا أريد أن أطيل في مسار يستحق أن نناقشه على مستوى قومي ووطني، أن يكون حديث الساعة والمستقبل، أن ندخله مناهجنا الدراسية: فنفكر إفريقيا، ونشرب إفريقيا، ونسعد إفريقيا، ونغضب إفريقيا، ونسعى ونركض إفريقيا، نقرأ ثقافات إفريقية، نحتفي بالنخب المفكرة الإفريقية، نتعرف على لغات إفريقية، نكون مجموعات ضخمة في الدبلوماسية والثقافة والفكر الإفريقي، في الأخير: كيف لا يعلو فوق مصالحنا الإفريقية صوت آخر؟
حفظ الله مصر.. حفظ الله النهر والجيش.. حفظ الله عمقنا الأفريقي.