بثينة الدسوقي
اللوحة: فنان الهولندي بالتاسار فاندر آست
أخذ الحوار بيننا منحى غريباً.. إن جاز لى أن أسميه حواراً.
لمحت غضبه بحاستي السابعة.. فرفعت رأسي عالياً واتجهت صوب الشرفة وجلست.
كان يعرف أني ما عدت أبالي بغضبه.. بات يفعل ذلك كثيراً مؤخراً حتى ضاقت بنا الحجرات فصرت أخرج إلى الشرفة لأضع بصدري هواءاً حقيقياً.
عندما وجدت الشرفات المجاورة تمتليء بالسيدات الباحثات عن الهواء ابتسمت كثيراً وأشرت بيدي لإحداهن- صديقتي – فأحنت رأسها يائسة.. ربما الأمر لديها أكثر حدة.
“النبتة التي تجاورك تحتاج لسقيا.. ألم تلحظي ذلك؟ أهو استهتار بالروح التي جلبتِها بنفسك إلى شرفتك العامرة؟“.
“لماذا تأخذ ملاحظاتك شكل سؤال مستفز دوماً وأبداً.. سأدعها للموت.. إنه شأني.. إنها أشيائي التي تكرهها.. كيف تحبني وتكره نبتتي.. لقد جلبت النبتة لتمنحني لوناً أخضر وهواءاً نقياً وتحنو على روحي في لحظات اليأس“.
لمحت سخريته بحاستي الثامنة.. فصمتّ تماماً.
“كنت أنتظر رد فعل آخر أكثر إيجابية في مناقشتنا السابقة.. لماذا لا ترغبين بالمشاركة في أمر هو حياتنا بأكملها؟“.
المشاركة أن تسمعني.. لا أن تسمع ما تريد.
كدت أنطق بهذا لكني داعبت النبتة بأصابعي قليلاً حتى نامت على كفي.
أنت ديكتاتور.. كدت أصرخ بهذا لكني انتزعت إحدى وريقات النبتة في حدة وألقيتها أرضاً.
لمحت بوادر تراجعه بحاستي التاسعة.. فنطقت أخيراً: ليس عليك أن تقرر الآن.. ما زال لدينا وقت لنقرر السفر أم لا.. هي بالفعل حياتنا معاً.. والسفر ليس كنبتة نتجادل بشأنها.. إنه مصيرنا معاً.. مصيرنا معاً.. مصيرنا معاً.
“أشعر أنك تقتربين من الجنون.. سنفكر.. سنفكر جيداً قبل أن ننهي حياتنا هنا.. لا مجال للخسارة “.
أحسست بحيرته بحاستي العاشرة.
لكنى لم أكن أملك حيرة مماثلة.. لقد كنت أنتظر هذه الفرصة منذ البدء.. أتت متأخرة لكنها أتت.. لكنه كالتوأم الملتصق هو والأرض التي ولد عليها.. يشعر أن عملية الانفصال ستقتطع جزءاً من لحمه.. أشعل سيجارة ووقف بجواري ينفث دخانها في الهواء.. ملامحه تتغير.. وقلبي صار مغلقاً حيال هذا كله.. لقد صارت حياتنا لغزاً استعصى على فهمه.
أحسست بابتعاده بحاستي الحادية عشرة.
أمسك بإناء نبتتي بكلتا يديه وألقى بها من الشرفة إلى الشارع الخالي فسمعت دوى ارتطامها بالأرض.. بدا لي أنه صوت موسيقى لأغنية أعرفها تعتمد على الإيقاع.
….
كان جميلاً أن أرتقي سلم الطائرة وحدي.. بدون صحبة جزء من إنسان!