عندما تنبأ رءوف عباس بالثورة المصرية

عندما تنبأ رءوف عباس بالثورة المصرية

أ. د. ناصر أحمد إبراهيم

اللوحة: الفنانة المصرية نرمين حكيم 

تتبوأ الثورة في تاريخ الأمم مكانة خاصة، وتتباين درجة أهميتها بحسب ما تُخلَّفه كل منها من نتائج وتغييرات فى مسار تطور كل أمة، كما أنها تؤشر على انتقال المجتمعات من عصر إلى عصر جديد. وبقطع النظر عن مآل الثورات، وطبيعة وحجم ما تحققه الأمم من خلالها، فإن أعظم ما تحتفظ به الذاكرة التاريخية، أن الثورة تظل تُشكل مصدرا “للحافز الأخلاقي” الذى يدعم الإرادة الجماعية – فى لحظة الغليان – على نفض غبار النظام الاستبدادى (غير المحتمل)، وعدم الاستسلام والإذعان لقوة بطشه وطغيانه، والتطلع إلى تقويض أركانه والإطاحة برموزه وزبانيته، وتحقيق الحرية ودرجة مرضية من العدالة الاجتماعية، تعيد الكرامة لكل فرد فى مجتمع ظل يعانى من الإهمال والتهميش، ومما ثقل به كاهله من نتائج آثمة اقترفها النظام القديم فى حقه وحياته؛ فالثورات دائمًا مبعثها الأمل، وفلسفتها مبنية على التفاؤل، وتؤذن بقيام فجر عهد جديد.

وقد شهدت مصر، على مدار 130 سنة الأخيرة (1882 – 2011)، أربع ثورات كبرى؛ كان أولها الثورة العرابية فى عام 1882، وثانيها ثورة 1919، وثالثها ثورة 23 يوليو 1952، وكان آخرها ثورة 25 يناير/30 يونيو التي لا تزال في مرحلة المخاض والتشكل. إن قيام هذه الثورات المجيدة (بواقع ثورة كل أربعة عقود تقريبًا) هو دليل امتلاك الشعب المصرى لقوة حيوية أصيلة، قادرة على مواجهة انحراف السلطة عن جدة الطريق، وخلق ملامح جديدة لفجر جديد.

ويعد المؤرخ والمفكر الكبير الراحل د. رءوف عباس، من أكثر المؤرخين البارزين الذين قدموا إسهامات أكاديمية جادة وقوية فى تحليل المسارات التى اتخذتها الثورات المصرية الحديثة، وكان له فلسفة خاصة وعميقة فى قراءتها، بل والأكثر من ذلك كان صاحب رؤية تنبؤية في استشراف وقوع الثورة المصرية الأخيرة. ولما كانت تحليلاته وآراؤه السديدة، المستندة إلى خبرته التراكمية والمعرفية المتعلقة بتاريخ هذا الوطن، تشكل وجهات نظر عميقة، تحتفظ بتوهجها الساطع، وبأهميتها كمفاتيح لفهم واقعنا المعاصر وفك شفراته المعقدة، فإنه لمن الأهمية بمكان أن نستدعى انتاجه الأكاديمى ومقالاته المتعددة، نناقشها ونتدارسها؛ لنفيد منها فى هذا الظرف التاريخى العصيب الذى تمر به أمتنا الأبية، ونستشرف من خلال كتاباته المسار التطورى (المتوقع والمحتمل) بما قد يُضيء أمامنا الطريق ويُجلى لنا المحاذير الواجب التيقظ لها حتى نتجنب سلبيات التجربة التى مررنا بها من قبل.   

ولما كان عدد كبير من المقالات التي نشرت في دوريات مختلفة، كشفت عن توقعاته اليقينية (لا النظرية)، قبل خمس سنوات خلت من قيام الثورة، بأن المجتمع المصري على مشارف اندلاع ثورة تفوق “إعصار تسونامي” قوة في الإطاحة بالنظام المباركي، فمن الأهمية بمكان أن نتوقف على منهجية هذا المؤرخ المفكر فى استشراف وقوع الثورة المصرية المجيدة، وأن نعي المحاذير التى لفت الأنتباه إلى خطورتها فى حال الإطاحة بالنظام، وقراءة أفكاره حول مستقبل مصر ما بعد الثورة والإطاحة بالنظام القديم. 

***

والحقيقة أن خبرة رءوف عباس بدراسة التاريخ الاجتماعى المصرى الحديث والمعاصر، التى بذل فيها أكثر من أربعة عقود من عمره، كانت قد أثرت منهجيته فى دراسة تاريخ الثورة الاجتماعية المصرية، حيث كان من أكثر من اهتموا بتحليل طبيعة تركيبة القوى الاجتماعية وتطور العلاقة الجدلية بين مكوناتها، فضلاً عن توافره على دراسة أثر تلاحم السلطة والمال فى تفاقم المسألة الاجتماعية، التى كانت دومًا السبب الرئيس فى اندلاع الثورات التاريخية ككل. 

وبداية لابد أن نشير إلى أن منهجية رءوف عباس فى دراسة التاريخ الاجتماعى لمصر فى القرنين التاسع عشر والعشرين، تجاوزت الإطار التقليدى: فهو لم يحفل كثيرًا بتشريح النظام الطبقى فى مصر وتقسيماته المعتادة إلى طبقة عليا (متعددة المشارب والأجناس)، وطبقة وسطى من كبار الأعيان المصريين، وثالثة دنيا فقيرة ومعدمة شكلت القاعدة العريضة من الفلاحين (حوالي 80 % عند نهاية ق 19 م). إنما كان يمر على ذلك سريعًا ليُركزَ دراساته على فهم وتحليل الاتجاهات الاجتماعية، وخاصة حركة القوى الاجتماعية المصرية فى سياق الظروف التاريخية التى أفرزتها، محاولاً الإجابة عن سؤال إشكالى محورى: ما الذي تمخض عن تركيبة هذه القوى الاجتماعية من ظواهر ارتبطت بمسار تطور المجتمع المصرى على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين؟ وهل هى ظواهر طارئة أم متأصلة بفعل تراكم مسببات تاريخية مختلفة متجذرة فى التجربة التاريخية المصرية؟ وهل يمكن من خلال تحليل آثارها الممتدة فى الواقع الراهن، ومقاربة مع نواتجها عبر مخاضها الطويل فى الماضى، التنبؤ بما يمكن أن تُحدثه في المستقبل؟

إن هذا السؤال الإشكالى الكبير فى اعتقادى كان هو السؤال المحورى فى عدد كبير من المقالات التى ضمًها الكتاب. فما هى هذه الظواهر التاريخية التى رصدها ولفت الانتباه إلى خطورتها وأهميتها فى صياغة حاضرنا الاجتماعى بل ومستقبل وطننا العزيز؟

رصدت دراسات الدكتور رءوف ثلاث ظواهر، يمكن ايجازها على النحو التالى:

أولها: ظاهرة غياب السياسات الاجتماعية الناتجة عن غياب الوعي الاجتماعى لدى الطبقة المحتكرة للسلطة والمال، وهي طبقة جاءت معظمها من أصول ريفية (أبناء كبار الملاك الزراعيين) فى أواخر القرن الـ 19 م، وتركزت بين أيديهم السلطة فى النصف الأول من القرن العشرين. يتوازى أو بالأحرى يُحاكيها، بالنسبة للموقف من المسألة الاجتماعية، “طبقة الهليبة” التي تسيدت السلطة كذلك خلال العقود الثلاثة الأخيرة (في عصر مبارك)، ومن ثم فإن حالة الاستغراق الذاتى حول المصالح الخاصة جدًا، لهذه المجموعة الاجتماعية أو تلك (كبار الملاك أو رجال البيزنس)، انتج ما اسماه بـ “الوعى الطبقى” الحاد، الذى يُغلق الدائرة على المصالح الضيقة لرجال السلطة، فتنعدم معها الالتزامات الأخلاقية والمادية إزاء الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التى تعصف بالناس: فالمجموعتان (كبار الملاك فى الحقبة الليبرالية/ ورجال الأعمال فى الحقبة المباركية الأتوقراطية) كانت لهما ذات النظرة الدونية للمجتمع، ومعها اعتبرت أية افكار ايجابية مقترحة من بعض من وعوا خطورة تفاقم المسألة الاجتماعية وضرورة التضحية بجزء ضئيل من فوائضهم لحل بعض مشاكل المجتمع، اعتبر من قبيل “المبادىء الهدامة”؛ وهو تعبير لطالما تكرر التشدق به فى البرلمان المصرى.

 وإذًا يرى رءوف عباس أن جماعة السلطة فى الحقبتين الليبرالية والأتوقراطية لم يكن لها اكتراث بمراعاة البعد الاجتماعى أو موقف واضح يحدد ضرورة تبنى سياسات اجتماعية تستهدف انتشال الناس من وهدة الفقر والجوع والمرض. وعلى ذلك تشابهت اللحظتان اللتان هيأتا المجتمع المصرى لانفجار الثورة الاجتماعية (ثورة 23 يوليو/ أو الثورة التى توقعها هو قبل خمس سنوات وتحققت مع ثورة 25 يناير).

ثانيًا: خديعة الوقوع فى شرك ما يعرف بـ “صبر المصريين” وفرط الاعتماد على “الأنامالية” أو السلبية المزعومة التي يوضحها بقوله: “إن قوانين الحركة والسكون فى هذا البلد غريبة جدًا، فدائمًا يقال إن الشعب سلبى، وإن الناس لا تتحرك، وأنها استمرأت ما يحدث، لكن كلما زادت السلبية كان هذا نذيرًا بانفجار غير محسوب العواقب، أو محدد الاتجاه”؛ إذ ليس لديهم ما يخسرونه سوى أصفادهم. 

ثالثًا: توهم النظام وزبانيته امتلاك القوة المطلقة، اعتمادًا على ما اسماه “قُطعان الأمن المركزي” الذين يصورون للسلطة “بأن كل الأمور تحت السيطرة” وأن فى إمكانهم ردع “الحركات الاحتجاجية وتلقين أصحابها دروسًا تلزمهم حدود الأدب”، متغافلين عن وجود مخزون استراتيجي من القوة النسبية فى المجتمع، يتم استدعائها فى لحظة الغليان، من خلال الاستنفار التلقائى للقوى الحيوية فى المجتمع، التى سرعان ما تُظهر امتلاكها قوة الفعل فى تغيير الواقع والسيطرة عليه، وقلب موازين القوة فى اللحظة الحاسمة التى تتجلى – على حد وصفه – “حين لا يبقى فى قوسِ صبر المصريين منزعٌ للسهام؛ فيهب الشعبُ عن بكرة أبيه هبات تلقائية تتخذ طابع العنفِ، وتلحق الدمارَ برموز الظلم والاستبداد”.

ومن خلال هذه الظواهر الثلاث (غياب الوعى الاجتماعي/ خدعة السلبية المزعومة/ توهم امتلاك النظام للقوة المطلقة) يبين أن القادة والحكام الذين يُناط بهم قيادة الأمة المصرية إن لم يستفيدوا من تجارب النضال الوطنى والاحتراز من دهاء المصريين، سوف يتكرر لهم إسقاط النظام والإطاحة بهم من خلال “ثورة حتمية” شبهها بـ “إعصار تسونامي الغاضب” الذى لا يبقى ولا يذر.

 وقد بيَّن بوضوح أن رجال السلطة فى التجربة المصرية لم يفيدوا من تكرارِ المؤشرات الدالة على تأهب المجتمع لحالة الانفجار الثورى: حدث ذلك قبيل اندلاع الثورة العرابية، وأثناء ثورة 1919 ثم خلال فترة الأربعينيات التى قادت إلى ثورة 23 يوليو 1952، وفى ضوء ذلك أكد لمحاوره الصحفى فى 17 مايو 2006 “إن الثورة قادمة لا محالة لإزالة النظام القائم الذى يفتقد الرؤية لعلاج أزماته.. وأنه يكاد يشاهد هذا الإعصار الثورى، ويشعر به، وأن أى دارس للتاريخ المصرى لابد أن يشعر به”  فكانت هذه بمثابةِ نبوءةِ مؤرخٍ محترفٍ، استشرفَ ما وقع بالفعل فى ثورتِنا الاجتماعيةِ الحاليةِ.   

وهنا يتعين الإشادة بقدراته المتميزة فى استخدام منهجية “التاريخ الاستشرافي” التى اعتقد أننا مقصرون كل التقصير فى ارتياد هذا المضمار الهام من الكتابة التاريخية، الذي خاضه هو بكل اقتدار واحترافية، مكنته من أن يرى ما لا نراه خلال السنوات السابقة التي كانت مفعمةً باليأس والقنوط والإحباط.

 والواقع أن رؤيته وقراءته المستقبلية للواقع المصرى اعتمدت على أسس منهجية مستمدة من واقع التجربة التاريخية ومن منظورها، وليس من قبيل الحدس والتخمين أو التوقع النظرى. ومن خلال مجموعة المقالات نجد أن نبوءته بالثورة المصرية استندت على أربع أسس منهجية، حددها فى إطار ما اسماه بـ  “الأعراض التي تنذر بنهاية كل عصر في التاريخ” وهي:

  1.  بروز الكثير من الأزمات المستحكمة الناتجة عن سياسات غير موفقة، وفقدان النظام للرؤية، فيبدوا عاجزًا عن ايجاد حلول عملية، وهو ما يشي بنفاد إمكانات الإبداع الذي يقدم حلولا للمشاكل التى تُحدث مثل تلك الأزمات.
  2. انشغال النظام بما يدور فى دائرة مصالحه الضيقة، ما يجعله عاجزًا عن قراءة واقع الأزمة، فيظل ينظر دائمًا إليها على أنها مجرد “أزمات فئوية” محدودة: أزمة قضاة، صحفيين، أساتذة الجامعات…إلخ، بينما الأزمة شاملة للمجتمع ككل؛ ومن ثم فالرؤية السياسية والاجتماعية عند النظام تظل مصابة بالعقم والجمود وقصر النظر.
  3. الأزمة تتسم بطابع الشمول، حيث تطول كل شىء، وفى مقدمتها الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التى تنتج ظواهر عدة: البطالة، وأزمة الإسكان، ارتفاع تكاليف المعيشة، تدنى الخدمات الاجتماعية الضرورية، ارتفاع مستوى خط الفقر إلى أعلى، الظلم الاجتماعى، تخريب منظومة التعليم التى تمثل عملية تعجيز منهجية لأى محاولة لإقامة قاعدة علمية أو حتى الحفاظ على نواة تلك القاعدة التى تكونت فى الستينيات، ومحاصرة الكوادر العلمية والتقنية فى مختلف المجالات، ثم على مستوى سياسي: تآكل دور مصر الإقليمى المنوط بها منذ القدم، وإنكفائها على نفسها، وتحولها إلى مجرد لاعب ثانوى، انحصرت كل سياسته فيما اسماه “سياسة ردود الأفعال” التي أدخلت مصر حلبة السباق على المراكز الدنيا فى كل شىء مع دول لم يكن لها وجود على خريطة العالم قبل الحرب العالمية الثانية. 
  4. لجوء النظام، حالما تضيق به الأمور، إلى اتباع سياسة القمع لا الحوار، متوهمًا أن سياسته القمعية قادرة على احتواء الغضب الكامن فى المجتمع، باستخدام العُصى، وسلاح الأمن، وتجريم نقد السلطة أو التطاول على الحزب الحاكم ورموزه إلى حد اعتبارها من الخيانة العظمى!، فضلاً عن العزل السياسى لأصوات المعارضين وتكميم الأفواه، وحشد السجون بالمعتقلين لمجرد أنهم خصوم، مما يفقد الوطن والنظام المرآة التى يرى بها صورته الحقيقية.

والنتيجة الحتمية لكل هذه الأعراض هى ولوج المجتمع مرحلة التأهب للثورة الاجتماعية. ويحدث الانفجار الثورى مع بلوغ مرحلة الغليان درجتها القصوى التى لا يجد المجتمع، بجميع شرائحه الوسطى والدنيا، حلاً سوى تغيير بنية النظام واقتلاع أنيابه وأظافره، وتطهير المجتمع من رموزه وعصابته، ثورة اجتماعية تستهدف كسر أغلال الاضطهاد، وتحرير أرباب “الكدح المتواصل المحرومون من التمتع بسويعات فراغ” من مأزق الحاجة والفقر واللهث وراء لقمة العيش، “ثورة الخلاص” التى تنقلهم من العزلة المطبقة إلى دائرة الفعل وصناعة مستقبل ترفرف فيه راية الحرية، وتتحقق معه العدالة الاجتماعية التى كان دومًا اختلال ميزانِها سببًا فى اندلاع كل الثورات التى عرفها التاريخ.

 بيد أن رءوف عباس، من ناحية أخرى، ُحذر – وهذا مهم لنا أن نعيه الآن- من عدم وجود برنامج للتغيير فى فترة ما بعد الإطاحة بالنظام، مبينًا أن الصورة مغايرة لما تحقق مع ثورة يوليو: فالضباط الأحرار الذين وصلوا للسلطة (وهم من أبناء الطبقة الوسطى الصغيرة) تبنوا البرامج الوطنية التى طرحت خلال الأربعينيات وطبقوها، فهم لم يبتدعوا، ولكنهم استوعبوا كل الأفكار والمشروعات الموجهة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ورفع مستوى الكادحين، وإقامة قاعدة علمية واقتصاد وطنى، ودعم مشروع الاستقلال إقليميًا وعالميًا، وغيرها من المشروعات التى شكلت الإطار المرجعى للسياسات الاجتماعية لثوار 23 يوليو، بينما الدخول في فترة ما بعد الإطاحة بالنظام (المتوقعة) دون امتلاك برنامج عمل وطنى، يعبر عن نبض الشارع ومشاكل الجماهير ويقدم أطروحة جديدة لحل كل المشاكل التى تغرق فيها مصر سياسيًا واجتماعيًا، إنما سوف يشكل مأزقًا كبيرًا، شبهه “بالبركان” الذى يصعب بل ويستحيل التحكم فيه؛ لذلك طالب النخبة (المثقفة) بوضع برنامج “ميثاق عمل وطني” حتى يكون الناس على دراية بالطريق الذى يذهبون إليه.  

إذًا نحن أمام مفكر يملك أدواته ويحسن توظيفها بصورة مدهشة؛ لأنه لا يكترث كما يفعل الكثيرون من المؤرخين بالمعلومات والتفاصيل التى تعج بها الوثائق، وإنما تركيزه الدائم كان على الميكانيزم وراء الظواهر التاريخية، يدرس دينامية الحركة وطبيعة المسار الذي يمضي المجتمع على منواله، راصدًا مواطن العلل والخلل فى التجربة التاريخية، مما مكَّنَه من استطلاع ورؤية ما وراء التطورات السريعة والمتلاحقة.

 ومن هنا كانت اختياراته للموضوعات التى كتب فيها دائمًا جديدة جريئة قوية ومدعومة بالحقائق التاريخية، ومستندة إلى أسس منهجية قويمة لا تخلو من الدقة، وتحليلات تقف على أقدام راسخة، الأمر الذي جعل كتاباته ومقالاته تشكل مرجعيةً رصينةً وقوية فى مجالها المعرفي التاريخى الأصيل.

رحم الله مفكرنا الكبير دكتور رءوف عباس، وليجعلنا الله دائمًا أوفياء لعطائه الموصول، وما جسده لنا من نموذج رائع، حقيق بأن نقتدي به ونفيد من أفكاره الجادة ونظراته العميقة في قراءة تاريخ مصر.


رؤوف عباس (1939 – 2008) مؤرخ مصري، عمل أستاذا للتاريخ الحديث بجامعة القاهرة وأستاذا زائرا بجامعات طوكيو (اليابان)، جامعة قطر، جامعة الإمارات العربية المتحدة، جامعة السوربون (باريس)، جامعات كييل، وإسن، وهامبورغ، وفرايبورغ (ألمانيا)، جامعة كاليفورنيا، جامعة ستانفورد، جامعة جورجيا (أمريكا)، الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

وهو صاحب مدرسة في التاريخ الاجتماعي، تولى من خلالها تكوين جيل من الباحثين في تاريخ مصر الاجتماعي وساهم في تكوين بعض الباحثين في هذا المجال في اليابان وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. له العديد من الأعمال باللغتين العربية والإنجليزية. كما ترجم إلى اللغة العربية العديد من الأعمال. أدار العديد من المؤتمرات وتولى رئاسة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية من 1999 حتى وفاته في 2008.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.