الأسلوب القصصي وتقنيات الكتابة عند أحمد دسوقي مرسي

الأسلوب القصصي وتقنيات الكتابة عند أحمد دسوقي مرسي

السيد حسن

اللوحة: الفنان المصري عمر الفيومي

تتضمن هذه القراءة مجموعة آراء نقدية للشاعر والإعلامي السيد حسن، تناولت الأسلوب القصصي للكاتب المعروف أحمد دسوقي مرسي وتقنياته في الكتابة القصصية، وقدرته المدهشة على اصطياد اللحظة الدالة والحديث عن المعاني الكبيرة عبر أحداث وتفصيلات صغيرة جداً.

وقد تناول الشاعر والإعلامي السيد حسن قصص «تائهان»، و«ذبح الدجاج»، و«إذا لم نقبل ما لا نرضاه»، و«اللوحة التي تركناها فوق سطح القمر»، خلال عدد من الندوات التي خصصت لمناقشة تجربة الكاتب أحمد دسوقي.

قصة «تائهان»

القصة المدهشة جدا بالنسبة لي كانت القصة التي تحمل المجموعة القصصية اسمها (قصة تائهان)، فهذه القصة تذكرني بقصة شهيرة في الادب العالمي حول رجل يعاني معاناة انسانية خاصة ويحاول ان يتحدث الى أي شخص لكن لا أحد يسمعه في النهاية لأنه حوذي (صاحب عربة حنطور) فلمن يحكي؟ للحصان! وهو لا يريد ان يشاركه أحد بالراي او ينصحه، بل فقط يريد من يصغي اليه ويستمع له. 

في قصة تائهان نحن امام تنويعة على هذه القصة العالمية لماذا؟ لأننا امام شخص يريد ان يجد أحدا، فيذهب الى صديقه الاول يجده غير موجود، يذهب الى صديقه الثاني وأيضاً غير موجود، فيقرر ان يذهب الى الصديق الذى لا يغادر البيت ابدا، ومع ذلك يجده غير موجود، وهو في كل الحالات يبحث عن شريك لكن لا يوجد من يستقبله، في هذه اللحظة؛ بينما كان في ميدان التحرير يعثر على فتاة صغيرة تاهت من اخوتها، ومن هنا تأتى التسمية (تائهان) هو تائه في الحياة وهو كبير، وهي تائهة وهي طفلة، فيبحث عن اخوتها وفى النهاية يذهب بها الى بيتها ولسان حاله يقول ها أنتِ قد وجدت انس العائلة، وبقيت انا التائه الوحيد الذى لا يمكن ان يجد انساً ابدا. 

ما اريد قوله هنا ان احمد دسوقي لم يكن يعتمد على تقنية واحدة في الكتابة، لكنه كان ينوع هذه التقنيات، فمن الرمز الى المعادل الموضوعي الى المونولوج الداخلي الى الوصف التفصيلي لحال هذا الرجل وتلك الفتاة؛ فهو يلجأ الى أمور ذات دلالةفهو يبحث عن احد اصدقائه يمر بطفل و طفلة يلعبان فيبنيان بيتا صغيرا وهو خلال نزوله من السلم يوشك ان يهدم هذا البيت، لكنه يتراجع ثم يستأذن الطفلين قائلا: ينفع أن اجلس في هذا البيت قليلا، فيقولان له: لا هذا بيتنا نحن وانت عجوز.

فكرة انه لا يستطيع ان يجد الانس حتى في بيت للعب لأنه أصبح اكبر من ان يلعب، ولا يستطيع أن يأنس وحده، واكثر تيها من ان يرشد، كل هذا يكشف لنا اننا امام كاتب قصة متمرس لديه حنكة ويعرف اين يضع قدمه واين يضع قلمه ويتميز بلون من الوان الدهاء الفني الجميل، واعتقد ان المبدع كلما امتلك دهاء فنيا ابتعد عن المباشرة، والمباشرة كما نعلم جميعا هي العدو الاكبر لأي ابداع، شخصيا أرى أن كل قصة من قصص مجموعة تائهان فيها تقنية مختلفة في الكتابة، لكني اكتفيت بهذه النماذج لأدلل على ان احمد دسوقي كاتب موهوب محنك يمتلك ذلك المكر أو الدهاء الفني الذى يتيح له ان ينوع في تقنيات الكتابة، وأن يقدم رسائل مختلفة عبر الجمل القصيرة او عبر البناء القصصي بصفة عامة، كما أن لغته تامة الانضباط وتامة الإحكام.

واخيرا اقول ان لدى الكاتب وعي كبير بماهية القصة القصيرة من حيث اصطياد اللحظة الدالة والحديث عن المعاني الكبيرة عبر احداث وتفصيلات صغيره جدا. تحية للكاتب لقاء الدهشة التي منحني إياها.

قصة «ذبح الدجاج»

العنوان مثير للتساؤل منذ البداية لكن من يقرأ هذه القصة يتأكد ان كاتبها له باع طويل في قراءة وكتابة القصة القصيرة، لماذا؟ 

لأنه يُقيم لدينا مستويين؛ مستوى رمزيا ومستوى واقعيا.. هو باختصار يتحدث عن اسرة فيها ابنتان وابن (فتاتان وشاب)، الفتاة الكبرى ربما في العشرين من عمرها والفتاة الصغرى في السابعة عشر او الثامنة عشر من عمرها، الاولى الكبرى يتعامل معها الجميع باعتبارها كبيرة يجب ان تتحمل همّ الاسرة كلها سواء في خدمة الاسرة او حتى في التنحي عن طلباتها الخاصة، اما الفتاة الصغرى واسمها احسان فكانت مدللة يكفى ان تضرب بقدميها الارض وان تبكى لكي تحقق لها كل طلباتها. 

هذه الاسرة لديها مثل كثير من الاسر المصرية «عشة» فوق السطوح بها دجاج تربيه، هنا يلجأ الكاتب الى حيلة فنية مدهشة لأنه يسمى كل دجاجة من دجاجات هذه العشة باسم شخصية من شخصيات الاسرة، فهذه الدجاجة هي احسان وهذه الدجاجة هي فوزية وهذا الديك هو فلان وهكذا، ثم يشعل نار الغيرة في قلب الاخت الكبرى فوزية من اختها الصغرى التي تتمتع بكل ما تتمناه اى فتاة في عمرها، بينما هي عليها ان تنظف وتعد القهوة لأبيها، وان تذهب الى السطوح لتطعم الدجاج الى اخره.

هنا يلجأ (احمد دسوقي) الى حيلة ذبح الدجاج.. من الذي سوف يُذبح هل هي الدجاجة ام هي الفتاة التي تحمل الدجاجة اسمها؟

لذلك عندما تشتد نار الغيرة لدى فوزية الاخت الكبرى، تشي بطريقة ما بأختها الصغرى بأن تترك صورتها مع حبيبها وهما يتنزهان بحيث يستطيع الاب ان يراها، وبالطبع عندما يراها الاب يثور ويمزق كتب احسان المدرسية ويمنعها من الذهاب الى المدرسة. 

باختصار هو يذبحها ولكن من الذي ذبح في الحقيقة؟ 

فوزية هي التي قامت بذبح احسان معنويا، وعندما يعود الابن المغرم بأكل الدجاج من السفر، تقول فوزية لإحسان انا سوف اصعد لكي اذبح الدجاجة احسان وهذا امر لا تتقنيه انت لكنني انا استاذة في ذبح الدجاج. 

هذه الموازاة الرمزية بين الدجاج من ناحية والاسرة من ناحية، بين الذبح الحقيقي للدجاجة والذبح المعنوي للأخت الصغرى، يكشف اننا امام كاتب يعرف اين يضع قدمه واين يضع قلمه. 

أضف الى ذلك انه صور حال فوزية تصويرا مدهشا فهي في النهاية اختها، لذلك هي مترددة بان تشى بها او ان تحافظ عليها وهي خائفة على نفسها وخائفة على اختها، وهو يصور هذا ببراعة شديدة جدا؛ لأنه في كل الاحوال يقدم تقنية الرمز والواقع في القصة. 

هناك وعى كبير بماهية القصة القصيرة من حيث اصطياد اللحظة الدالة والحديث عن المعاني الكبيرة عبر احداث وتفصيلات صغيره جدا. وقد ساهم عنوان القصة في فهم مراميها.

قصة «إذا لم نقبل ما لا نرضاه»

منذ البداية يعبر العنوان عن مضمون القصة، والكاتب يلجأ الى تقنية اخرى تماما في هذه القصة، فهو يتحدث عن ان الحياة تجبرنا في كثير من الاحيان على ان نتقبل ما كنا نرفضه، والقصة تتحدث عن اخ لديه اخت كبيرة في السن نوعا ما، ولم يتقدم احد لخطبتها، ثم يتقدم صديقه او زميله في العمل لخطبتها ويدور مونولوج داخلي عند الاخ الذى يرى ان هذا الزميل لا يستحق اخته، ولكن الحياة تجبره على ان يقبل به، لذلك يوازن الكاتب بطريقة مدهشة بين ما يجرى في داخل الاخ و ما يجرى في المقابلة (اللقاء)، بمعنى، الاخ يريد ان يطرده لأنه لا يستحق اخته، ولكنه يقول (اهلا بك نورت البيت)، الاخ يراه نصابا مع ذلك يقول (كلنا نشيد بأمانتك)، الاخ يرى انه لا ينبغي ان يًقيم اخته لأنها اعلى منه درجة، لكنه مع ذلك يقول كلاما مختلفا، وحين يصل في النهاية الى حد لا يستطيع ان يتحمل معه هذا التناقض، ويرغب بطرده يجد كلاما غريبا بالحديث الذى كان يبدو اليه رتيبا، ويجد كلاما غريبا من اخته التي تقبل بانكسار، ويجد كلاما غريبا ايضا من امه، وكأنهم جميعا يحاصرونه بمعنى واحد وهو (ان الحياة تجبرنا في كثير من الاحيان على ان نقبل ما كان حرياً بنا رفضه).

ما يهمني هنا ليس ما يقوله فقط، لكن التقنية التى لجأ اليها الكاتب، وهي تقنية الموازاة بين الواقع من ناحية والمونولوج الداخلي من ناحية أخرى، ثم انه يقسم القصة الى مشاهد (ابى – امى – اختى – انا) الخ..

قصة «اللوحة التي تركناها فوق سطح القمر»

أما قصة «اللوحة التي تركناها فوق سطح القمر» فهي تتحدث عن ان الانسان بصفة عامة (البشرية) عندما يذهب الى مكان يفسده، ويسيل الدماء وينشر البغضاء، ويقدم من خلالها الكاتب دلالة على البشرية كلها، وهو يفعل ذلك بأسلوب قريب من الفانتازيا او اللامعقول او السريالية، أي ما كان المذهب الذي يتكئ عليه، فهو ينوع في تقنيات الكتابة وهذا يدل على خبرة الكاتب وحنكته الشديدة.


السيد حسن: شاعر وإعلامي، مدير البرامج الثقافية بالإذاعة المصرية، قدم عدداً من البرامج الإذاعية منها البرنامج الصباحي المشهور قطرات الندى.

كما أصدر عددا من المجموعات الشعرية منها: «هناك»، «وماذا سأرسم فوق المكان»، «هيا نتعلم ونغنى» ديوان شعري للأطفال.

أحمد دسوقي مرسي كاتب قصصي مصري. من مواليد مدينة بنها بمحافظة القليوبية.

أصدر عدداً من المجموعات القصصية منها: «تائهان»، «كانت أياما جميلة»، «شيء بيننا مشترك»، «رسالة إليها»، «الرهان الخاسر»، «إذا لم نقبل مالا نرضاه»، «كيفية ذبح الدجاج»، «نظارة قانونية»، «الناس والتمثال»، وغيرها.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.