بثينة الدسوقي
اللوحة: الفنان السوري عادل داود كردي
ـ بيت القصيد.. نعم هذا ما أريد منكِ فهمه في المرحلة الحالية.. بيت القصيد.
ـ إذن كان هذا مرادك أيها الحقير ومنذ البداية.. لقد كنت عمياء وحمقاء.
ـ لكنك كنت ومازلت جميلة يا سارة.. ولن أندم على شيء في قادم الأيام سوى طلاقنا.. إن تم.
ـ سيتم إن شاء الله وسأطوي هذه الصفحة السوداء من حياتي وإن لم تفعل سأخلعك.. لقد أصبح الأمر هيناً.
ـ لقد طلبت منك ومنذ بداية المكالمة أن تنتبهي لكلماتك وإلا سأقلب المنضدة على رؤوسكم جميعاً.. تذكري أمك الملقاة في المستشفى بين الحياة والموت.. وتأكدي أن خبر سجن أخيك الماجن كفيل بأن يقضي على ما تبقى منها.. أنت تعرفين ما أريد.. دوماً كنت تعرفين ما أريد وتفعلينه.. سأشتاقك حقاً يا سارة.. ألن تفتقدينني؟
ـ هل يفتقد أحد الموت؟
ـ لا تتظاهري بالقسوة.. فأنا أعرف كل ما تفكرين به.. ربما قبل أن تفكري.. لكنها النهاية التي يجب أن تساعدينني لأصل لها بالشكل الذي يرضيني.. وسأكون حنوناً معك إلى أقصى درجة.. ألم أكن حنوناً أحيانا معك؟ كم أفتقدك.. هل من الممكن أن نواصل الحياة معاً قليلاً؟
أكاد أتقيأ لسماعي كلماته.. غثيان يملأ روحي.. لا أجد رداً.. لكني أقول بصوت واهن
ـ اصمت
ـ لا بأس.. لنعد إلى بيت القصيد.. سأترككم تنعمون بالعيش في شقة الوالدة رغم أنني كان بإمكاني الحصول عليها.. لكن لا بأس.. يهمني أن ينشأ ابني في مكان محترم.. أما كل ما تبقى فهو لي.. شقتنا بكل ما فيها.. مجوهراتك ومجوهرات السيدة الفاضلة والدتك الراحلة باعتبار ما سيكون.. وبعد هذا سأنتظرك لتبيعي تلك الأرض لتسددي الشيك الذي وقعه أخوك ولتسددي لي ثمن زواجي بك.. سأدع لك تقدير المبلغ المتبقي.. بقدر ما كنت رقيقاً معك ستدفعين.. ألا تتذكرين؟
ـ لم أعد أذكر غير توحشك.
ـ جاحدة.. لقد أعطيتك الكثير.. هل كنت تظنين أن رجلاً غيري قد يفعل ما فعلت لأجلك.. هل آذيتك مرة؟ هل ضربتك؟ هل صفعتك؟ لقد كنت أقدّر جمالك.. لكن لا تكوني من الظلم بحيث تعدي جنوني الوقتي لحظات الغضب قسوة..
ــ لا أريد سماع صوتك.. سأمنحك ما تريد.. كل ما تريد.. فقط أترك أمي لحالها.. وستترك الولد معي إلى النهاية.
ــ وهل سيكفي راتبك للإنفاق عليه؟ لا أظن
ــ هل تتراجع؟ ألم نتفق على هذا منذ البداية؟
ــ ليس تراجعاً.. لكني يجب أن أضمن ألا تطالبينني بنفقة كما تفعل المطلقات الدميمات في المحاكم.. أنت لست دميمة.. ولهذا لن تذهبي للمحاكم
يضحك بجنون ضحكته التي أعرفها تماماً.. لقد صار مجنوناً.. أو لعله كذلك منذ البداية ولكني لم أكن أرى شيئاً.. سأقتله يوماً.. حتى وإن نلت الطلاق.. لقد دمر كل شيء.. ولم يترك لي شيئاً غير كرهه.. سأقتله بالسم.. سأسمم الماء في أثناء غيابه عن البيت.. لعله أبدل الأقفال.. سأقتله بسكين في قلبه الأسود.. أو.. لا أدري غير أني لم أكره في حياتي أحداً قدر ما كرهته.. أبكي محاوِلة ألا يسمع بكائى.. إنها تكاد تكون نفس العبارة التي قلتها لأمي منذ سنوات.. لم أحب في حياتي أحداً قدر ما أحببته.. لم تقتنع أمي يوماً.. وكنت أقول لنفسي أنها تريد امتلاكنا أنا وأخي.. لكنها كانت على حق.. لقد دمرّها بتهديده لأخي.. دمرنا جميعاً..
يعود صوته ليخترق أذني مجدداً
ــ هل أخبرك بم تفكرين الآن؟ إنكِ تريدين قتلي..
يضحك مجدداً
فأقذف بالهاتف إلى الحائط البعيد.