هالة

هالة

هيام علي

اللوحة: الفنان الإيطالي ساندرو بوتيتشيلي 

أرسلت الشمس أشعتها الذهبية لتعلن عن بدء يوم جديد لأحداث مر عليها زمان، وضع بصمته ثم رحل، كنا صغار لا يشغلنا في هذه الحياة سوى اللعب بيتنا الكبير، ملحق به حديقة صغيرة محاطة بسور حديدي به بوابة خشبيه، الأشجار تملأ المكان، منها أشجار الخروع صنعت من بينها أرجوحه تعلوا بي لأمنيات ثم تهبط على أمل أن تتحقق، هناك بجانب السور نزرع الجرجير والخيار والملوخية، وفي وسط الحديقة يكمن الكانون بناره الهادئة كطبعي أحيانا وناره الثائرة كأبي حين ينهر أمي: أين الطعام؟

 تجاوبه بصوتها الهاديء المنساب كشلال نهر دافئ: حالا خمس دقائق فقط انتظر قليلا، نقوم بفتح الغطاء تمتد أيدينا الصغيرة قبل أن ينضج نتصارع من منا سيفوز أولا بقطعه لحم، تنهرنا أمي بلطف، انتظروا حتى يكتمل النضج، نجلس على الأرض في حلقه صغيرة تجمعنا، نتهامس بيننا بنظرات نفهمها نخشى أن يرانا أبي!

نهابه؟ نعم فهو يستحق ذلك، طويل القامة ذو شارب يخفي معظم فمه مهذب، ومنمّق يزيده جمالا، بعد الغداء تأتي إلينا “هالة” صديقتي وجارتي في نفس الوقت تكبرني بعام واحد، حباها الله جمالا ذو طابع خاص كأنها لوحه رسمت  بيد فنان لامثيل له، رسم خطوطها ببراعة منقطعة النظير، وجهها كالقمر ليلة البدر بيضاء كسحابة صافية، شعرها كأشعة  الشمس الذهبية ينسدل على كتفيها بعفويه كهي، تنادي بصوتها الرقيق هديل، نعم، تعالي كي نلعب، أخبر أمي بأنه حان وقت اللعب، تجيبني بالموافقة، أبتسم لها أطبع قبله على جبينها تبادلني الابتسامة، تحتضنني، تحذرني بألا أتأخر قبل غروب الشمس يجب أن أعود، أبتسم لها نعم يا أمي حتما سأعود، تدعوا لي بأن يحفظني الله، أسرع الخطى خارج البيت تتشابك أيدينا نذهب إلى النهر نلقي فيه بعض الحجارة تصنع دوائر ضيقه ثم تتسع ننظر إليها بفرحه تملأ كل الكون، تسدل الشمس ستائرها لتعلن عن نهاية اليوم الجميل ليعود كل منا إلى وكره بثياب متسخه لايسعنا أن نبدلها من كثرة التعب نذهب إلى السرير يداعب النوم أعيننا الصغيرة نستسلم له لنستيقظ وبداخلنا الأمل بلقاء جديد، ويأتي اليوم الذي  لن أنساه عندما أتت إلي هالة في نفس الموعد قبل غروب الشمس وعندما هممنا بالخروج طلبت مني كوب ماء أحضرته لها تناولته على استعجال، بعدها خرجنا كي نلعب لم تكن فرحة ككل يوم سألتها عن السبب، أخبرتني بأنها لن تلعب معي اليوم لأنها ستذهب هي وأمها إلى خالتها، ودعتني دون النظر إلي، عدت إلي بيتي بعدها بلحظات سمعنا صوت صراخ عالي وعويل، خرجت أمي تستطلع الأمر، قالت جارتنا: ماتت هالة!

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.