هيام علي
اللوحة: الفنانة البولندية تمارا دي ليمبيكا
أؤمن بأن الأرواح تتلاقى، وإن كانوا على بعد، وإن لم ير أحدهم الآخر من قبل، أؤمن بأن هناك حياة أخرى في العالم الآخر، معها تتلاقى تلك الأرواح التي تشبهنا، فهي نسخة طبق الأصل منا، ولأن هذه الأرواح لابد لها من التلاقي ولو لمرة واحدة.
فهذا ما حدث معي، أنا سها، يأتي إلي كل يوم الوافدون من كل حدب وصوب، نتحمل سخافاتهم وعجرفتهم، إلا هو، (أحمد) هذا اسمه الذي نقش داخل جدار قلبي، بكل حرف من حروفه حياة، أعلم جيداً بأنني لن أعيشها هنا، ولكن هناك عندما تتلاقى الأرواح المعذبة فتهدأ وتستكين في العالم الآخر، منذ للوهلة الأولى والنظرية الأولى اعتراني شعور غريب، صوته سنفونية حياة عندما قال: أوراقي انتهت هنا، فأنت آخر المطاف، نظرت إلى عينيه فبريقهما أصابني في مقتل، انعقد لساني، أخذت الاوراق حاولت مساعدته بكل ما أوتي من حب، فروحه لامست روحي
لماذا هو؟
فأنا قلبي أغلقته منذ زمن طويل إثر الخيبات المتتالية، حاولت تعطيل أوراقه كي يبقى معي قليلاً، ولكن خشيت أن يفتضح أمري، فأنهيت أوراقه وأعطيتها إياه، نظر إلي وقال: شكراً ثم رحل، مكتبي يجاور نافذة زجاجية عريضة تطل على الشارع الرئيس، بنظرة جعلتها تبدو عفوية حتى لا يلحظني الجمهور الواقف أمامي، رأيته ينحدر سيرًا إلى الميدان، كان يُجدّ المشي بقامة رياضية، يولي وجهه شطر الشرق، خلفه يتسلل إليّ غروب الشوق، لعيّني تخايلت به يرفع راسه ويلتفت للوراء وبخجل طفلة تقترب من الأربعين، واريت نفسي بين ملفّات العمل، على لساني تتردد عبارة لا أتخلى عنها منذ سنات بعيدة : العميل التالي .. اتفضل تحت أمرك.
هذيان
ثمة حياة موجوده هنا مازالت تطاردني، لا أستطيع الإنتقال وحدي، كنا سعداء في الماضي لايشغلنا في هذه الحياة سوى المرح المرح فقط، الهواء يداعب ذكرياتنا يدغدغ أحلامنا، تتراقص قطرات المطر على وجنتينا.
مرت الأيام سريعه ثم سرعان ما تبدلت في لحظة غابت عن ناظري لم أعد أراها، تركت كل شيء، رحلت حيث اللا عوده، في هذه الجزيرة بعيدا عنها أو رحلت عني لا أعلم، أنا هنا وحدي الآن مع كلبي وعلية سجائري ومسدس أضعه في جيبي، الخوف أصبح يلازمني النوم هرب مني وكلما غفوت للحظات يأتي طيفها تقول لي: جاك إبحث عني لاتتركني
أستيقظ وأنا في قمة يأسي
أصرخ : أين أنت يا ماري؟
أسمع نباح كلبي أنظر عبر النافذة،أخرج مسدسي أخرج من بيتي أسير نحو الصوت،لا أجد سوى الذكريات وكلمات قالتها لي: إشرب كي تعرفني!!
تهوي الأرض من تحتي، أتشبث بأخر أمل أن أراها هنا بين الأشجار،لا أسمع سوي صفير الهواء يخترق إذني أنت تهزي، أرى كلبي يُهرع نحوي،أسمع صوته كأنما يقول لي: لم يتبقى سوى أنا وأنت.