السَّـلـيـل وأســلافه

السَّـلـيـل وأســلافه

باسم فرات 

اللوحة: الفنان الأكراني دانييل فولكوف

مدينةُ الكَـهَـنَـةِ

الـمُبْـتَـلَّةُ بِـنَـهْـرِ الفُـراتِ عَـنْـوَةً

على ضِـفَّـتِـهَا بَـيْـدَاءُ 

تُطِـلُّ بِـكَامِـلِ غِـزْلانِـهَا وكَـمَـئِـهَا 

أَوْقَدَتْ تُـرَعًا وجَداولَ على سَـوَاحِـلِ أسْـوَاقِـهَا

أَيْـنَـعَتْ بسـاتِـينُ ينمُو فيها الـنَّـخْـلُ والـزَّقْـزَقَاتُ

وبَـيْنَ العُـذُوقِ يَـهْـطِـلُ صوتٌ حَـزينٌ

تَـلْـبَـسُـهُ المدينةُ معظمَ الوقت

مُلوكٌ بَـنَـوْا مَـدَافِـنَـهُـمْ 

يَـتَـوَسَّـلُونَ القُـربَ منها 

على أسْـيِجَـةِ الأضرحةِ وفي الساحةِ الْـمُـضَـرَّجَـةِ بالأسَـاطِـيرِ

وفوقَ جُـدْرانِ السُّـطُـوحِ 

تَـخْـفُـقُ أجنحةُ الْـحَـمَـامِ

إشراقةُ الصباحِ تَـمْـنَـحُـهَا طاقةً 

أنْ تَـنْـقُـرَ خُـطُـواتِ الْـمَـارَّةِ

وتَـتْـرُكَ وَشـمًا في ابتساماتِ الزائرين

هديلُ الحمامِ رسائلُ مُـشَـفَّـرَةٌ

عن تاريخِ المدينةِ، تَـرْعَى في سُـطُورها

كنوزٌ من التراتيلِ والـنَّـشِـيج

بداياتُـها كتبَها أسلافٌ قيل عاشُـوا لِقُـرُونٍ طويلة.

أنا سَـلِـيـلُـهُم الْـمُـبْـتَـلُّ بِالْـخُـضْـرَة

ابتهجْـتُ لِـرُؤيـةِ عَـجُـوزَيْنِ

تَـمْـتَـلِئُ أوْرَاقُـهُـمَا بِـتَـأَمُّـلِ ثرثرةِ طُـيُـورٍ

تَـلْـبَـسُ زِيًّـا مُـوَحَّـدًا 

الْـمَـشْـهَدُ أكْـثَـرُ تفادِيًا لِلذَّاكرةِ

لكنَّ قواميسَ من الهذياناتِ، ومُـكِـبَّاتٍ على الـنُّـوَاحِ 

غَـشَّـتْ على الْـمَـشْـهَدِ

دُمُـوعٌ تتدلَّى على راياتِ الأمَـل

شُـمُوخٌ مطعونٌ بِـنِـسْـيَـانِه 

سِـيرةُ المدينةِ؛ أحزانُـها المرميَّةُ في الطُّـرُقات

ثَـمَّـةَ أَبْـوَابٌ تَـقُـودُكَ إلى نَـبْـعِ الفجيعةِ

بابُ السـلامِ، 

حيثُ حزمةُ الديناميتِ نَـثَـرَتْ آسًـا على وُجُـوهِ الأُمَّـهَـات

بابُ الكرامةِ، 

مِـنْـهُ خرجَتْ رُؤوسٌ ما أَيْـنَـعَـتْ لِلْـقِـطَـافِ يومًا

بابُ الشُّـهَداء، 

يتقاطَـرُ الأحياءُ عـنـدَهُ، 

يأكلونَ أعْـمَـارَهُـمْ ويـتْـركُـونَ رسَـائِـلَـهُمْ عندَ 

بابِ قاضي الحاجات

بابُ الـرَّجَـاء، 

تَـذرِفُ النِّـسْــوَةُ أمنياتِـهِـنَّ بِـبَـذَخٍ

لِـيَـحْـصُـدْنَ أمَـلًا يَتَعَيَّشْـنَ عَلَيه

بابُ الـقِـبْـلة،

في أوقاتٍ مُـحَـدَّدَةٍ

يَـتَّـفِـقُ الأصحابُ والأعداءُ

أنْ تَشْـخَصَ أبْـصَـارُهُـمْ إليها 

حيثُ الجنوبُ الغَـربِيُّ طريقٌ 

يقُـودُ إلى برازخِ الأجْـوِبَـة

بابُ الـزَّيـنَـبِـيَّـةِ، 

بوَّابةُ الـصَّـبْرِ وخزائـنِه، عندَها تكسَّـرَتِ الـرِّيـح

بابُ الـرَّأس، 

كلُّ رأسٍ مرفوعٍ هُـوَ أبي

بابُ السُّـلطانِـيَّـة، 

يدخلُ الْـمُـلُـوكُ بعدَ أنْ يُـجَـرَّدُوا مِـنْ أَوْهَـامِ الـعَـظَـمَـة

بابُ الدُّخولِ إلى سِـدْرةِ الْـمُـنْـتَـهَى

ها أنتَ قابَ قوسَـيْنِ أوْ أدْنَى من الفجيعة

أَنْصِتْ جيدًا لتاريخِ رماحٍ لم تَـشْـتَـكِ مِـنْ حَـمْـلِ رَأسِ أبيك

دَمُـهُ ما زالَ يَــنْـزِفُ 

يَـحُـجُّ الْـمَـلايـينُ لِـرُؤيَـتِـهِ

يحملونَ الـرُّمْـحَ 

يذرِفُـونَ أَعـمَـارَهُـمْ عَـويلًا   

وكلَّما حَـسِـبُوا أنَّ الـنَّـزِيـفَ تُسْـكِــتُـهُ الدِّفْـلَى

ارْتَـدَّ الألَـمُ على أيَّـامِـهِـمْ

في هذهِ الْـمَـدِيـنَـةِ الواقعةِ بـيْنَ تُـخُـومٍ

أسرارُهَـا تطوفُ على الجهاتِ ولا يَـرَاهَـا أحَـد

وأنا كعادَتي

أسْـتَـحِمُّ بِالفُراتِ

وأتأمَّـلُ البيداءَ مَـوْطِـنَ الْـحُـرِّيَّـة.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.