نبيلة يحياوي
اللوحة: الفنان اليمني عبد الفتاح عبد الولي
كان يوما شاقا متعبا لا يختلف عن بقية الأيام الأخرى، الروتين الذي ألفناه بكل تفاصيله الدقيقة، حرارة الصيف جعلتني أعود للمنزل مبكرا لم أستطع مقاومة التعب؛ بالكاد غيرت ملابسي بسرعة انتبهت حينئذ أن نافذة غرفتي مفتوحة على مصراعيها، لم يرق لي الأمر بسبب طيور الحمام التي تقتحمها وتقوم بإحداث الفوضى لتفتش عن أي شيء يؤكل، وغالبا ما تترك برازها فوق الفراش.. لا أدري كيف نسيتها الصبح ولم تكن من عاداتي لأنني حريصة على غلقها بإحكام.
استلقيت مباشرة لأستريح كنت أتقلب في مكاني كأنني أبحث عن جزء مريح علني أغفو، هذا ما يفعله الأرق اللعين الغرفة تكاد تنفجر بسبب الحرارة المرتفعة، كنت على ذلك الحال حتى رأيت نملا يتوسط الجدار إلى تحت السرير يدبّ في غرفتي كأنهم جنود يصطفون بنظام وهدوء. لا أدري هل أحلم أم أنني أعيش واقعا باهتا، أردت التأكد من حقيقة المنظر الذي أدهشني، نمل كنت أتصورهم بشر في طوابير أينما ذهبت؛ الفارق الوحيد أن النمل أكثر نظاما وطاعة وهدوءا والمدهش أنني لا أسمع منه صخبا أو جدالا أو معارك طاحنة تودي بحياته كما نفعل نحن من أجل فتات خبز، ودون أن يحترم الأخير مرتبة الأول يقتحم الطابور ظنا أن القوة تأتي أكلها. كل ما رأيته صفا يمشي ويعمل ويكد؛ كنت أفكر هل من دواء لاقضي على هذه الحشرات التي تصيبني بالرهاب والرعشة، نعم رهاب الحشرات الذي يتملكني مؤخرا كلما رأيت شيئا يتحرك إلا وثارت ثائرتي وارتعشت من رأسي إلى أخمص قدمي، ماذا أصنع.!! تملكني الفضول دون أن أضع أصابع قدمي فوق الأرض دنوت برأسي اتتبع أثر النمل وجدته يجمع بعض ما تناثر من خبز يأخذه إلى مسكنه.. حفر صغيرة جدا أشبه بثغرات تحدثها الأمطار في الرمال، أشعلت إنارة هاتفي لاقترب أكثر أو لأقرب الصورة لم أكن أصدق أن له مستعمرات تحت الأرض بهذه القوة والكثافة، الغريب أنه يصطف في اتجاه واحد أو في اتجاهين دون أن يتصادم بينه، رغبت في القبض على واحدة بملقط، طبعا تفكرون كيف لي ذلك!! لا يمكنني لمسها بأطراف أصابعي، لكن الملقط يقتلها تداركت الأمر حينا بل سيعصرها نصفين؛ التقطت أنفاسي شيئا فشيئا وعزمت أن أقترب من واحدة إنها كحبة رمل صغيرة تدب هنا وهناك في نشاط حسدتها وأنا اقارنها بنفسي مستلقية في غرفتي، أكاد لا ألمحها فكيف لي أن أخشى من هذه الحشرة وهي لا تبلغ جزءا صغيرا من شعرة في رأسي أردت أن أقضي على هذا الرهاب ربما فرصتي للنيل منه من يدري!!
اقتربتُ للأرض أكثر بينما جسدي لازال ملتصقا بالسرير عدا رأسي المتدلي كالعنقود يكاد يدخل تحت السرير، لكن بحذر ألا ألمس نقطة واحدة منه أنزلت يدي بكل هدوء خائفة أن تكون الضحية عاملة، وقد أفسد نظام النمل. تقدمت ببطء تشجعت، ثم صرخت واااااااااااو لقد فعلتها، أيتها اللعينة استغرقت سنوات وأنا أعاني من وجودكم، ذات الرأس العريض إنها لا تشبه النمل الآخر ذات الرأس المفلطح كيف يعقل أن تقتحم هكذا البيوت دون استئذان، خاطبتهاوالأسوأ ذلك الفتات الذي تجتمع من أجله، إنها لا تختلف عن طيور الحمام، نعم يمكنها فعل ذلك لكن ليس في غرفتي! لم أعد أطيق وجود الحشرات في غرفتي؛ لقد طفح الكيل حتى الأدوية الكيماوية لم تعد تجدي نفعا أجدها في كل بقعة هنا وهناك، في الحمام، في المطبخ وحتى في غرفتي.
كنت أصرخ غاضبة بأعلى صوتي، حتى خاطبتني، أدركني الفزع وتسمرت مكاني كانت تحملق من فوق الغطاء بعد أن رميتها من راحة كفي، نعم نملة تخاطبك ردت لي: مابالكم أنتم البشر! كيف تقضون أيامكم في الأسواق المتسخة، تصنعون الأوبئة الفتاكة، ثم تبحثون عن الترياق، دون أن تعيروا اهتمامكم لمخلوقات أخرى تتقاسم معكم هذي الحياة! –هل تقتحمون بيوت البشر دون استئذان! قهقهت النملة، فارتبكت أكثر نملة تضحك.! ألا تقتحمون مستعمراتنا وتهدمون أركانها وتصنعون موادا للقضاء عل فصائلنا؟ ويحكم. النمل الذي يدبّ هنا هي مخلوقات لا تختلف عنكم إلا في أداة العقل لكن بالرغم من أن آلله منح لكم ملكات وآليات التفكير إلا أنكم عثتم في الأرض فسادا، بل إن الأضرار التي تسببتم بها أهلكت الوجود. كنت أستمع إليها، تملكني الغيظ أغلب ما رددته كان صائبا، لكن قاطعتها: هل تعتقدين أن هذه الفوضى بيوتا؟ تقيمون أين وجدتم زادكم لا تكدون على صنعه، ولا تسعون لإنتاجه ! قهقهتْ مرة أخرى ههههههههههه، نعم نحن لا نقتل بعضنا من أجل البقاء، لكنكم تفعلون بنزاعاتكم الدائمة لا نعيش بمفردنا بل نحن مستعمرات، نتكاثر لنحافظ على بني جنسنا.
أثارت غضبي ذات الرأس العريض، كنت أفكر في رميها خارجا وانتهي منها اخبرتكم مسبقا أنني أكره الحشرات ولا اطيقها، كلما استيقظت إلا وصادفت نوعا يحشر نفسه بين أشيائي، لا أدري كيف يفكر البعض أنها أنيسة للإنسان وقد تكون صديقة، ان يتدلى العنكبوت فوق رأسي وانا نائمة أو صرصور مقرف.. أو يتخذه البعض انيسا في اقفاص. هذه النملة الصغيرة التي احتقرتها وهي تخاطبني لاتغدو نقطة من جسدي، لكنها استفزتني، تبدو أكثر ثقة حشرة تخاطبني وتتهكم منا قد لا يجدي الجدال نفعا هذه هي الحقيقة التي اربكتني وصلنا لنقطة لا نفهم بعضنا نحن بنو البشر، كنت أراقب العدد كيف يكبر كانه خيط يتحرك، اصابني الذعر أكثر لما شعرت بواحدة تمشي فوف قدمي، صرخت صراخا قويا اثرت ضجة كاد قلبي أن يتوقف، استيقظت لاجدني متعرقة الهث بشدة؛ عرفت حينها أنني فعلا كنت في حلم مع عالم النمل، بل كان كابوسا مرعبا بالنسبة إلي.