رُفـات شـاعر

رُفـات شـاعر

باسم فرات

اللوحة: الفنانة الإنجليزية لورنا سليم

إلى محسن*.. معلمي الأول 

في العاشِـرَةِ مِـنْ عُمري حَـمَـلْتُ طُـفُـولَـتي

إلى بُـسْـتَـانِ عَـمَّـتي 

أَمَـامَـهُ؛ وببراءةِ طفلٍ وجُـنُـونِ عاشِـقٍ ورهبةِ زاهدٍ؛

خَـرَجَ بَـوْحي وَاثِـقًا بِـخُـشُـوعٍ:

أُرِيـدُ أنْ أُصْـبِـحَ شَـاعِـرًا.

***

كان مُـفْـرِطًا بِـجِـدِّيَّـتِـهِ وحَـيَـائِـهِ

قادَهُ ذكاؤُهُ إلى الغِـيَـابِ

مِـثْـلَ قِـدِّيسٍ لا رُفَـاتَ لَهُ

كانَ يَـحْـلُـو لَـهُ أنْ يَـتْـلُـوَ أبياتًا عديدةً

من معلَّقةِ زُهَـيْرِ بْـنِ أبي سُـلْـمَى

مُعْـجَبًا بِـحِـكْـمَـتِـهِ 

بينما كنتُ مُـغْـرَمًا بطَرَفَةَ بْـنِ الـعَـبْـدِ 

قادَتْـهُ حِـكْـمَـةُ زهيرٍ إلى الـتَّـهْـلُـكةِ

وقادَني نَـزَقُ طَـرَفَـةَ إلى الإصغاءِ

لِلعَواصفِ والـرِّيـاحِ

والْـخُـروجِ على الـقَـبِـيـلة

***

كانَ الـنَّـخْـلُ في بُسْـتَانِ عَـمَّـتي 

يحنُـو على أشْـجَارِ الْـحِـمْـضِـيَّاتِ

ويُـظَـلِّـلُ لنا طريقَ الشِّـعْـرِ 

حتى لا نُصَـابَ بِـضَـرْبَـةِ شَـمْـسٍ 

أَوْقَـدَ أشِـعَّـتَـهَا شُـعَـراءُ أضَاءُوا لَـيْـلَ الـعَـرَب

فلَمْ أَسْـلُـكْ طريقًا لِسِـوَاي

*** 

بُسْـتَانٌ أَطْـعَـمَـنَا الْـحِـكمةَ مع الـتَّـمْـرِ والـبُـرْتُـقَـال

والشُّـمُـوخَ مثلَ عَـمَّـتِـنَـا الـنَّـخْـلَة

جَـمَـعْـنَا رَمادَهَا في صُـورَةٍ على الْـجِـدَار

أتَـأَمَّـلُـها وقد سَـحَـقَ الـوَقْـتُ بَـهْـجَـتَـهَا

وخَـلَّف لـنَـا دَمْـعًا غَـزِيـرًا 

دمعًا بَلَّلَ أعمارَنـا

حتى فَـاضَتِ الْـبَـرَارِي بِـالـبُـكاءِ

وهِيَ تَـبْـحَـثُ- دُونَ جَـدْوَى-

عن رُفَـاتِ شَـاعِـرٍ

عدَدْنَا له ثَـمَـانِيَ وعشرينَ حِـجَّـةً

فلمَّا توفَّاها ارْتَـدَاهُ الغِـيَـابُ قميصًا**.


* محسن فاضل كريم، ابن عمتي وأول أستاذ لي في ولوج عالـم الشعر، أعدم في رمضان (آذار/ مارس) 1991م.

** تحوير لبيت أخت طَرَفَة في رثائه.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.