هيام علي
اللوحة: الفنان الأميركي ستانتون ماكدونالد رايت
انفصام
تتداخل الأفكار في رأسي، تتزاحم تتشابك تلتصق ثم تنتهي حيث أنا، لا أرهق نفسي كثيرًا فسرعان ما أنسى لأعود كما أنا، أدخل “الكافيه” حيث الإضاءة خافتة, أعشقها, أجلس على الكرسي، أطلب مشروبي المفضل، يمر طيفه من أمامي معه بعض أوراق وأقلام ملونه، لم أره من قبل، يجلس علي الطاولة المقابلة ليّ، ينظر إلي كأنه يعرفني، لحظات ثم يقترب منيّ , يجلس أمامي دون أية دعوة.
وضع الأوراق والاقلام أمامه، تحدث دون طلب وقال: هذه الأوراق أرسم عليها بعض الخطوط لتكتمل الصورة، صور أشخاص أعشقهم رحلوا دون وداع، ظل يتحدث وأنا أسمع، وعندما أفرغ شحناته التي بداخله، رد لسان حالي: هل تعرفني ؟ ابتسم باستهزاء كأنه يخبرني بمكنونه الداخلي: وهل يجب أن أعرفك كي أتحدث إليك؟ إجابته غريبه مثله، أشعر بأني أعرفه برغم عدم عهدي به.
قطع شرودي بقوله: انظري هذه صورة أمي رسمتها قبل وفاتها بشهور قليلة جميله أليس كذلك؟ أجبت: نعم فهي بالفعل جميله، ثم أكمل: هذا أبي لم يرحم ضعفها وقلة حيلتها تركها تعاني حتى الموت.
شاهدت صورًا كثيرة لعائلة بائسه، وقبل أن أتفوّه بكلمة، لملم أوراقه المبعثرة وتركني ورحل، دفعت الحساب وغادرت بدوري, تناهى إلى أذني حديث هامس بين الجارسون وزميله يقول له: هذا الرجل يأتي كل يوم معه الأوراق والأقلام، يتمتم بكلمات لا أسمعها كأنه يتحدث إلى شخص أمامه لبعض الوقت يرفع الأوراق الفارغة إليه، ثم يأخذها ويرحل.
أنا.. وهو
لا أعلم إلى الآن من أنا؟
تأخذني حياتي إلى منعطف خطير، أجول حول ذاكرتي الصماء، لم تعد تخبرني بحيرتي ولا بجنوني، مازلت أنتظر لحظة الرحيل إلى عالم صنعته لنفسي, أكون فيه كما أشتهي, أطير بجناحي محلّقه في الأفق البعيد حيث اللامنتهى.
أدركت بعضي الآن فأنا مازلت هنا في هذا العالم المليء بالآثام، كيف لي أن أتخطاه وكل من حولي يخبرني بذلك، الأصدقاء، الأهل، حتى أنا أصبحت لا أعلم من أنا!، أحاول لملمة شتات نفسي الحائرة، أريد أن أغفو قليلًا, أنسى أيام وسنين مرت من عمرى هباءً، فأنا مازلت هنا حولي أبنائي وزوجي وأهلي ومالي، لكنّي في أوقات كثيرة أشعر بأنني في غربة عنهم، غربة عن وطني الذي ماعاد يحتويني.
لم يفهمني أحد إلى الآن، مذكراتي هنا الآن أدون فيها بعض معاناتي ووحدتي بدونك، كنت لي الخل والخليل، كل يوم أنفض غبار النوم عنى أتحسس هاتفي، مازال رقمك معي؟ هل بعثت لي برسالة واحدة تقول لي اشتقت إليك؟، لكن يرد لسان حالي لن يرسل إليك ما كنت تتمنين، أصبح هو في عالمه الآخر مع محبوبته.
أسأل نفسي: ماذا كنت بالنسبة لك؟ أنهض من على فراشي الفارغ منك، أصنع فنجان قهوتي المرة كأيامي بدونك، تمر الأيام معاندة تخبرني بأنه لن يكون لي، فأعود لنفسي أحاول لملمة أشيائي المبعثرة، محبرتي, قلمي, أوراقي التي تكتب عنك كل ليلة، أحبك، لتخبرني في نهاية آخر سطر أنّي بإرادتي هجرتك.