ثَورةُ العِشقِ الأولَى

ثَورةُ العِشقِ الأولَى

محمد عبد الرحمن شحاتة

اللوحة: الفنان النرويجي هانز دال

-1-

لِوَجهِكِ

حُمرةُ التُّوليبِ

نَقشٌ

تَعشقُ الحِنَّاءُ رَوعَتَهُ

فَيُنسِينا

بُكاءَ الأمسْ

لِوَجهِكِ

ما تَبوحُ بهِ السَّماءُ

ويكتُبُ الشُّعراءُ

ما جَادَتْ بهِ الأحلامُ

بوحُ 

سَريرَتي بالهَمسْ

لِوَجهِكِ

هالةٌ كالشَّمسْ

-2-

لِوَجهِكِ

ما أحلَّ اللهُ مِن رؤيا

وما يَحيا بهِ الظَّمآنُ 

مِن سُقيا

لِوَجهِكِ

سَوسَناتُ الكَونِ

ما طابَتْ بهِ الأيامُ 

والدُّنيا

-3-

أعدّي لي 

كؤوسًا من خمورِ الليلِ 

كي أشرَبْ

وكوني لي 

خشوعَ الفَجرِ 

حينَ يَزورُني 

أطرَبْ

وكوني لي النُّجومَ 

إذا 

تهيَّأتِ السَّماءُ 

إذا 

تَمَخَّضَتِ المَجَرَّةُ 

فاستَفاقَ الدَّلو 

يَعشقُ 

بُرجيَ العَقرَبْ

-4-

كأوَّلِ ما نَرى في البَحرِ

تقرَأُنا الشَّواطِئُ

بائِعاتُ الوَردِ

أطفالُ الحكاياتِ الَّذينَ أتوا

فَراشاتٍ

فَراشاتِ

كأنَّكِ

حينَ زارَ الليلُ شُرفَتَنا

ارتَجَفتِ لقلبيَ الآتِي

كآخرِ رَشفَةٍ في الماءِ 

نَرشُفُها

لنظمَأَ بَعدَها أبدًا

فيروينا ابتسامُكِ في المَرَاياتِ

-5-

نَقشتُ 

على جذوعِ النَّخلِ

ما جادَتْ بهِ الأشعارْ

ومَا فَسَّرتُ 

مِنْ أحلامِنا

في ليلَةٍ 

جُنَّتْ بِها الأمطَارْ

وكِدتُ أُجَنُّ

حينَ حَكيتُ 

فامتَدَّ الكَلامُ 

وَلَمْ تُبَلِّغْ خَطوَهُ الأحبَارْ

وكِدتُ أُجَنُّ 

مِن بَردِ المَساءِ

وَمِن جُمودِ الدَّارْ

ومِن هذا الغيابِ المُرِّ

إنْ جاءَتْ بهِ الأقدَارْ

-6-

سَبحتُ

ببحرِ مَن ضَيَّعتُ 

في زَمنٍ

يُكَبِّلُ خُطوَتي

ويَزيدُ 

في الإغوَاءْ

وها أنا قَد عَبرتُ

ولَم أجِدْ بالشَّاطئِ

المينَاءْ

أجرُّ حَقائبي خَلفي

بِها وَلَعٌ

ودَمعٌ

واحتِدامُ بُكاءْ

-7-

قَريبًا

تَضحكُ الطُرقاتُ

عِندَ لِقائِنا

صُدفَةْ

أنا عِشقٌ

بِحجمِ الكَونِ

مُذْ كانَ الفَتَى نُطفَةْ

يُحبُّكِ

مُنذُ ثَورَةِ عِشقهِ الأولى

إلى

أن يَلتَقي حَتفَهْ

-8-

سألتُكِ ذاتَ يومٍ كيفَ نهرُبُ

مِن ضَجيجِ الأرضِ

نَهرُبُ

مِن فضولِ النَّاسْ؟

لأيِّ جَزيرةٍ في البَحرِ

ننقُشُ فوقَ رَملتِها 

الحروفَ

إذا أتى وَحيُ القصيدِ العَذبِ 

مُبتسمًا

بلا قَلَمٍ ولا كُرَّاسْ

بعيدًا

عَن ضَجيجِ زِحامِ شارِعِنا

عَنِ الأعراسْ

بعيدًا عَن نوافذَ 

تَشتَكي الأقفالَ والحُرَّاسْ

وعَمَّن ينعَتونَ الشِّعرَ 

بالوَسواسْ

-9-

فقُلتِ:

ظلالُنا شَبقُ الحياةِ

وحِكمةُ الأشجارْ

جموحُ النَّهرِ في دَمِنا

وصَمتُ الدَّهرِ في الأحجارْ

كأنَّكَ فتنةُ المَعنى

فَهَبني مِن شَذاكَ العذبِ 

أغنيةً

وحَفنةَ غارْ

-10-

كَما نَضَجَ البَنَفسَجُ

في مدائنِ عُمرِنا المَجنونْ

كآخرِ تَمرةٍ

في الكَونِ

 يَبكي عِندَ فَقدِ مَذَاقِها العُرجُونْ

مَقاماتُ الغِناءِ السَّبعُ

لَم تَكفِ الفَتى

لِيبوحَ

لَم تَكفِ الفَتى

لِيَكونْ

-11-

نَبوحُ

إذا أرادَ القلبُ 

إيقاظَ الهَوى 

لِيبُوحْ

وخَلفَ ضلوعِنا 

أرقٌ

يُكابِدُ نَبضَنا المَذبوحْ

فأوَّلُ أُمنياتِ العَاشِقينَ

الصَّبرُ

آخرُ أُمنياتِ العَاشقينَ

جُرُوحْ

فَكيفَ لهذهِ الأجسادِ

أنْ تَحيا

بِغيرِ الرُّوحْ؟!

أَلَمْ يَكفِ امتلاءُ الأرضِ

بالطوفانِ

كَي نَرقى سَفينةَ نُوحْ؟

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.