حسن السيد حسن
اللوحة: الفنان الفرنسي بول سيزان
هلّلُويا
المَسَاءُ المرُّ، قَادِم
فاكنسُوا وجهَ السَمَاء
وافرشُوا الأرضَ جَماجِم
سَقَطَتْ فَرَاشَاتُ الرُؤى، وسَقَطّتُ في شَرَكِ الأحبّا
يا تُهمَتي الأُولى لكِ العُتبى
“سَقَطَ البريءُ، وكان ملحَ الأرضِ يُدعَى، مَنْ يُملّحُ مِلحَنا المَوبُوءَ، مَنْ يَشْفِ الأَطِبّا”
يا تُهمتي الأولى لكِ العُتبى
عُتبى إلى أن يُعلنَ المَوتى نُبوءَتهم، وينسَلّونَ في بَدَني
عُتبى إلى أن يحملَ المَوتى على أجفانِهم كفني
عُتبى إلى أَنْ يَفتحَ القبرُ النوافذَ للمدى قُربى
يا تُهمتي الأولى لكِ العُتبى
ولي وجعُ الدّعاء
يا تُهمتي الأُولى، ومَعْصِيَتي الأخيرة
إنّي اصْطَفَيتُكِ مرةً أخرى
وأعلنتُ التَمَرّدَ والخُروجَ عن العشيرة
فَتَكَلّمِي
الجرحُ أوسعُ مِن دَمي
والبوحُ أكبرُ مِن فَمي
وحدودُ مُلكي في العراء
لا شيء فيَّ لكي أُسامحَ أو أُعاقبَ قاتلي
لا شيء لي
ضرب الهواءُ على يدي
حتى الهواء
فتَكَلّمِي
إني انتَظرتُكِ، وانتَظرتُ الأنبياء
و كنتُ انتظَرتُكِ، فوقَ رصيفِ الكلامِ
وفي أُغنِياتِ اليَمامِ
وعندَ حُدودِ الفُجَاءَةِ،
كنتُ انتَظرتُكِ أَنْ تَمنحِيني السَلَامَ
وأَنْ تبدئيني الكَلامَ
وأَنْ تَصْطَفِيني مِنَ الشّعَراءِ نبيّاً
وكُنتُ انتَظَرتُ السَّمَاءَ تُبَارِكَني تَصْطَفِيني وتَغْسِلَني بالغَمَام
وكنتُ انتظرتُ النوارسَ والمدَّ والجَذْرَ
كنتُ انتظرتُ النبوءةَ والحلمَ
كنتُ انتظرتُ المَوَاسِمَ أنْ تَتَبَدّلَ والريحَ أنْ تَحتَويني
وكنتُ انتظرتُ الفراشَ، و”بابا نويل”، وذاكرةَ البحرِ
كنتُ انتظرتُ، انتظرتُ، انتظرت
و جَاءَ الشّتَاءُ
فَقُلْ لِي إلى أَينَ تَذهَبُ يا صَاحِبي
أَينَ تَذهَبُ هَذا الشّتَاء؟
إلى عُتمةِ البيتِ، أمْ عُتمةِ الحُلمِ، أمْ عُتمةِ الذّكرَيَات؟
إلى عُتمةِ البيتِ والحُلمِ والذّكريات
فيا صاحبي: نورسٌ أنتَ: فارحَلْ
إذا سَاوَمَتكَ الشّواطئُ فارحَلْ
إذا خَالَفَتكَ المَوَاقِيتُ
أو خَانَت الريحُ حُلمَكَ،
فاحْمِلْ عَلى الريحِ سَيْفَكَ إن المسَافاتِ لا تَتَمَهّل
يا صاحبي
عَلّمَتْني النّوارسُ أنَّ الشّواطئَ لا تَختَلِف
لا لأنَّ النّوارسَ مولعةٌ بالرّحِيلِ، ولكنّها تَرفُضُ المنتصف
فإذا خَالَعَتكَ النّوارسُ يا خادمَ الميّتين،
تَرَجّلْ عَنِ الحُلمِ، وارْحَل
أنا خَادمُ الميّتِين
أكونُ بِهِم
و بِهِم، لا أكونُ
فيا تُهمَتي دثّريني
يا تُهمَتي دثّرين
أنا هاربٌ مِنْ يَقِيني
أنا هاااااربٌ
مَنْ يَقِيني؟
فيا تُهمَتي أَشْعِلِيني
يا تُهمَتي أَشْعِلِين
فما عدتُ أنْتَظِرُ الغَائِبِين
هلّلُويا
المَسَاءُ المرُّ، جاء
فافْرِشِوا الأرضَ جماجم
واكْنسُوا، وجهَ السماء.