خـيـبـــة طــفــولـة

خـيـبـــة طــفــولـة

باسم فرات

اللوحة: الفنان الروسي إيفان جوروخوف

في طُـفُـولتي

كنتُ أمُـرُّ عَـبْـرَ طريقٍ تُـرَابيٍّ

تُـحِـيـطُـهُ بساتينُ نخيلٍ تحنُو على أشجارِ الفواكِهِ

تُـرَعٌ صغيرةٌ تسْـرِي الرعشةُ في جسدِها 

طيورٌ يُـنْـصِتُ لها الْـمَـكانُ

غِـنَـاءُ فلاحين تنتشي بهِ سَعَفاتُ النخل

عَـرَباتٌ تَـجُـرُّهَا حَـمِـيرٌ 

أُلْـقِي تحـيَّـتي على أصحابِـهَا

فألْـمِـسُ النَّـدَى في ترحِـيـبِـهِمْ

عصافيرُ تملأُ المكانَ 

ونُـوَاحُ الفواخِـتِ على الأخَـوَاتِ الـلَّـوَاتي نَـأَتْ بِـهِـنَّ الأيام

أعشابُ الطريقِ تُـغَـطِّي ضِـفَـافَ الـتُّـرَع

والعاقُـولُ يَـهْـمِسُ.. 

بأنَّ هذهِ الأرضَ لَـهُ فيها تاريخٌ

البطُّ الأبيضُ يُـهَـرْوِلُ مُـبْـتَـعِـدًا مِنْ أمَـامِ دَرَّاجَـتِي الْـهَـوَائـيَّـةِ

بَـهْـجَـةُ الأرضِ حينَ تُلامِسُـها قطراتُ الماءِ عَصرًا

كلُّ هذا كانَ محـفُـورًا في طُـفُـولتي

لكنني لم أَنْـتَـبِـهْ حتى غَـدَوْتُ بعيدًا عنها

بعيدًا عن طفولةٍ ظَـنَـنْـتُ أنها ستنتظِـرُني

حينَ غادَرْتُ البلادَ خائفًا وحالـمـًا

الآنَ غريبٌ أنَا فيها

أسألُ شقيقتي.. 

ومَنْ تَـبَـقَّى مِنْ أصدقاءِ تلكَ الأيامِ القدِيـمَـةِ:

أينَ ذلكَ الطريـقُ الترابيُّ 

الطريقُ الذي تتبخْـتَـرُ على جانِـبَـيْـهِ بساتينُ

مليئةٌ بِالثِّـمَـارِ 

والتغريداتِ والغِـنَـاءِ

ويُـضِـيـئُـهُ جَـدْوَلٌ رَقْـرَاقٌ

كلُّ هذا ذهَبَ مَعَكَ،

هذا البناءُ الخرسانيُّ ألا تَـرَاهُ؟!

قالوا!

فنادِقُ سحَقَتْ كلَّ شيء.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.