اللوحة: الفنان المصري وليد عبيد
بعد سنوات من المعاناة، توقفت لالتقاط أنفاسي، تلفتُّ حولي، أيقنت أن وقت الراحة قد حان، لذا قررت شراء هدية ثمينة لنفسي، مكافأة لها على ما حققته من انجازات على ندرتها، وما فشلت فيه طوال حياتي. قلّبت بصري بين المتاجر المتراصة على جانبي شوارع وسط المدينة، كأني أبحث عن شيء بعينه.
حتى وقع بصري عليها،وقد قضيت فترة من الزمن أتردد عصر كل يوم على نفس المتجر، أعاين “الهدية”، أرقبها من بعيد، تمعّنت ودقّقت في كل تفاصيلها، حتى احتلّت صورتها فؤادي وسيطرت على جوارحي.
صبيحة اليوم ذهبت إلى “دنيا الهدايا”، هو متجر متوسط الحجم، يقع بمنتصف شارع ” خالد باشا”، قابلني صاحبه بترحاب مصطنع وأقسم قبل أن أتفوّه بأي شيء أن يعزمني على قهوة من بن مخصوص يأتيه من بعيد،وأكدّ أنه من صنف فاخر لا يقدر عليه إلاّ قليل.
تجاذبنا أطراف الحديث عن السوق، الحالة الاقتصادية ومعدلات التضخم، وأسعار الفائدة، حتى انتهيت من الفنجان، بعدها تغيّرت سحنته وارتدى قناع الجدّ،سائلًا: ماذا تطلب؟
أشرت لمرادي: ذلك الذي يستقر على رفّ بوسط المحل.
فقال بثقة من خبر السوق وعركته الصفقات التجارية: نِعمَ الاختيار، ذاك ما يرغب فيه علية القوم وأفاضلهم، وأراك لا تقل عنهم شأنّا، ثم أسرع من فوره فأحضر علبة، أودع فيها الهدية، وأرفق بها “فاتورة” الثمن وهو ينحني بأدب، وعلى وجهه ابتسامة صفراء.
قبيل أن يغلق عُلبة الهدية، ألقيت نظرة عابرة على السعر، ذاك أمر كنت أتحسّب له منذ وقوفي بين يدي البائع، ليس لسوء ظن، لكن لأن الحصيف من يراجع التفاصيل تجنّبّا لضرر قد يلحق به إن تغافل أو غفِل.
بعد أن تيقّنت، أخرجت من حافظة نقودي وريقة زرقاء مطويّة، مطبوع عليها بحروف بارزة واضحة عبارة: “قرار إفلاس”، أعلنت التاجر بها.. لم يهتز له رمش، كما لم يجفُل، فقط قال بصوت كأنما يتجشأ بوجهي: لم أعتد أن أعزم أحدًا على فنجان قهوة دون ثمن.