مطر

مطر

حنان عبد القادر

اللوحة: الفنان السوري سعد يكن

تيك تاك.. تيك تاك..

سيمفونية التيك تاك ، لا تخفى على أحد ؛ لكن أذنيها تنكرها الآن.

تيك تاك.. تيك تاك..

صوت هذا الحذاء يزعجها جدا، يثيرها، تحاول السيرعلى أطراف أصابعها، يرتفع صوت ارتطام كعب الحذاء بالأرض، حذاء لعين، يتحداها: تيك تاك.. تيك تاك..

يصم أذنيها.. تحاول إسكاته، يتعالى صوت الضجر في روحها.

– خرجت أنشد الوحدة؛ فإذ بصحبة مزعجة.. يا إلهي.. ماذا أفعل؟! 

اتجهت إلى شارع جانبي يخلو من المارة، انفردت بحذائها، ما زال يصرخ، يدق الأرض بعنف، فقدت أعصابها.. نظرت إليه في حنق.. طوحت قدميها في الهواء، فاستقر على الرصيف.

أحست بالانطلاق، اندفعت مبتعدة.. استشعرت برودة الأرض تسري في جسدها.. تنعشها،، انطفأت ثورة صدرها.

  • آه .. ما أحلى الحرية!

قطرة ماء تبعتها أخريات.. ازدادت انتعاشا.. تمنت لو تغتسل بالمطر.

خاضت بقدميها العاريتين المياه المتجمعة في بحيرات صغيرة.. أخذت تدور، وتتقافز في عبث.

ضحكة فرح تموج.

يا إلهي، لم أضحك منذ قرون، إيه يا أيام الطفولة.. رغم قسوتك كنا أسعد حالا.

في يوم مثل هذا ، كنا نتجمع حول “الشاليَة”.. يوقد أبي قطع الخشب ننضج عليها الشاي، و”نقمر” أرغفة الخبز الأسمر، طعام رغم بساطته أشهى من شهد ، فإن ساءت؛ زمجر السقف في رتابة لا ترضي الكبار.. فيحضرون آخر صيحات الآلات الموسيقية، ليبدأ الأوركسترا: تك تك،. تم تم تم تم، تن.. تش.

كنا نجلس – أنا وهو- نحصي حبات الماء المتساقطة في الطست الكبير، من نعومة أظفاره كان يفخر علي برجولته؛ حتى بت أكره كوني أنثى، كثيرا ما نتشاجر.. وسرعان ما نعود كأن شيئا لم يكن.

 كلما ازداد طولنا شبرا.. ازدادَ هو رقة، وازددتُ حبا ، عشنا حياة لم تتح للكثيرين.. إيه يادنيا.. 

جمعنا خاتم ، واقتات الفقر على حبنا.

افترقنا.. تاه مني في دروب الحياة، ابتلعته الغربة، أما أنا.. تزوجت الغِنَى أملا أن يبسط الحب جناحيه، لكن رجلي غاب.. وغاب معه قلبي إلى الأبد.

تيك تاك.. تيك تاك..

  • ياإلهي، صوت الماء الساقط على أرض الشارع يذكرني بصوت الحذاء اللعين..!
  • تيك تاك.. تيك تاك.. تيك تاك.. 

نظرت خلفها، الحذاء اللعين يقترب في ثقة، أدارت وجهها.. استعدت للعدو، لم تطاوعها قدماها، الحذاء يقترب، صوته يعلو.. ويعلو.

 وضعت إصبعيها في أذنيها، حاولت الفرار، ارتفع الصوت أعلى، خرت مغشيا عليها.

ابتسم مزهوا.. في هدوء.. أطبق بإحكام على قدميها.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.