هناء غمراوي
قراءة في روايتي قارئة الأرواح وسيدة الوشم
من يقرأ روايات مصطفى البلكي، لا يجد تناقضا بين ما يصرح به في لقاءاته الصحفية، وبين نظرته للمرأة، ومقاربته لقضيتها من خلال معالجته الدرامية في الرواية.
فالمرأة في روايات البلكي هي كائن حر؛ يفكر ويختار، يحب ويتألم، يخضع ويثور. وغالبا ما نراه من خلال السرد يحاول أن يحطم بعض القوالب والأشكال الراسخة، والتي يريد المجتمع الشرقي أن يضع المرأة فيها دون أي مراعاة للظروف المحيطة بها.
فهو يرافق ابطال رواياته من النساء، يحاول أن يجاورهن في المسير. ويرصد تحركاتهن بعين المراقب الحيادي ويتركنا نستشف رأيه من خلال سرده ومتابعته لتفاصيل الحدث.
سأكتفي اليوم بهذه القراءة السريعة لروايتين من أعماله السردية؛ هما قارئة الأرواح، وسيدة الوشم. على ان اتبع تلك القراءة لاحقاً بدراسة وافية عن الموضوع.
في روايته قارئة الأرواح، ترفض منى الاستمرار في العيش مع رجل يخونها. وهي تجاهر بذلك أمام عائلته وتطلب الطلاق من زوج ميسور وأب لطفلتين صغيرتين كانتا ثمرة ذلك الزواج. لم تخف منى من المواجهة التي تخافها العديد من النساء في مجتمعها؛ منى حصلت على الطلاق من معتز لأنها رفضت العيش في منزل تفوح منه رائحة الخيانة وفضلت ان تفوز بحريتها وكرامتها؛ في مقابل تحمّل نظرة قاسية من مجتمع يعتبرها ناشزاً لأن الرجل بنظر هذا المجتمع لا يعيبه الا جيبه.
أما في سيدة الوشم؛ فإن أفروديت وهي أم لثلاثة اولاد، لم تمنعها أمومتها التي دفعتها إلى أن تحفر اسم وليدها الفقيد وشما على يدها، من أن تقع في الحب وترتبط بالشاب الذي اختاره قلبها؛ رغم بلوغها الستين. وبرغم فارق الدين والسن أيضاً.
لقد استطاع مصطفى البلكي من خلال متابعته الدرامية في تطور الحدث، وليس من خلال الوعظ الذي قد يلجأ اليه بعض الروائيين لتثبيت فكرة ما في ذهن القارئ، ان يكشف لنا أن منى ليست ناشزا لأنها استطاعت ان تعيش الحب والحياة الزوجية السليمة مع شكري، الرجل الذي أحبها وعرف قدرها.. فكانت تلك رسالة واضحة وصريحة من الكاتب الى كل امرأة أن تعي ذاتها وتبحث عن سعادتها بعيدا عن القوالب الضيقة التي حصرها بها المجتمع.
في سيدة الوشم، فكرة الرواية كانت صادمة. لأن البلكي كان أكثر جرأة في طرح مواضيع ما زالت تعتبر خطوطاً حمراء، في مجتمع ما زال لا يعترف بحرية المرأة. ويرى وصاية الذكور عليها نوعاً من الرعاية..
الفكرة في سيدة الوشم، تجاوزت حدود المألوف في جرأتها، فزواج أفروديت المسيحية من ضياء المسلم كسر عدة حواجز ما زات تعتبر تابوهات أهمها؛ الدين والمجتمع والعائلة.
الرواية فتحت باباً للسؤال حول مواضيع حياتية، وإنسانية تم تجاوزها في مجتمعات أخرى. ومع ذلك فقد كنت أفضل لو أن الكاتب وضع نهاية مغايرة لها، حتى لا يتسرب إلى ذهن القارئ بان الموت كان نوعاً من العقاب بحق أفروديت.