زهور أحمد معري
اللوحة: الفنان الأمريكي وينسلو هومر
مع سكون الليل، وتطاير أوراق الخريف، أسمع صوت الرياح تلامس سمعي وتحرك أشجاني، فها هي أوراق الأشجار تتساقط معلنة موتها، ومستعدة للرحيل بعيدا عن موطنها إلى أن تدفن تحت طبقة ثلج ناصعة البياض؛ لتودع الحياة وتتحد مع الأرض التي عشقتها، عندما كانت تبادلها النظرات من فوق الغصن الذي لم تظن يوما أنها ستفارقه.
يا لغرابة الحياة! تخدعك بطريقة عجيبة، تشعرك بالأمان حتى تظن أنه جزء منك ثم تسلبه كأنه لم يكن بقربك يوما، إنها تشبهك أيها البحر! عندما أنظر إلى صفاء زرقتك وجمال أمواجك المتناغمة مع النسيم العليل، لا أستطيع أن أتخيلك عندما تكون متلاطم الأمواج هائجا.
هكذا هي الحياة، لا تثبت على حال، تتقلب بين الحلو والمر، بين السعادة والشقاء، بين الأحزان والأفراح، والسعيد فقط من عرف أن الحياة جبلت على كدر، فكيف نريدها على صفاء؟ فمهما تنعمنا فيها لا بد أن نعيش لحظات من التعب، من الألم. هذه هي الحياة يجب أن نستمتع بها في كل لحظاتها، وأن نذكر دائما أن من وهبنا الحياة قادر على تغيير حياتنا للأفضل، ومهما كان السواد شديدا لابد من بصيص ضوء يدحر الظلام، لابد من لحظة هدوء تقتل الضجيج والضوضاء، فعلام الحزن؟ ولماذا القلق؟ فلنغمض أعيننا ونسير في درب الحياة ببصيرة قلوبنا ونور عقولنا، ولنتوكل على رب الأرباب، خالق كل شيء ومسبب الأسباب، فعلى الرغم من جمال اللون الأبيض إلا أنه قد يتحول يوما في قلوبنا إلى عتمة سوداء لا بداية لها ولا نهاية.
لم أتوقع يوما أن يختل الميزان بهذا الشكل المخيف فتتحول الأشياء الجميلة في ذاكرتنا إلى قبح، إلى سواد بسبب الواقع المرير الذي نعيشه، أمر صعب جدا، أمر يقتل الروح، لا بد من إعادة البرمجة، لا بد من الانتصار. يا رب.. أنت وحدك المطلع على أحوالنا. يامن يعلم دبيب النملة، يامن يعلم السر وأخفى، يا عظيم، أسألك أن تتلطف بقلوبنا الصغيرة، فهي لم تعد تتحمل كل هذا الحزن والألم!
جميل هو الدفء لكن ليس كل دافئ جميل، تلك المعادلة لن يفهمها إلا كل من خرجت من عيونه دموع ساخنة، خرجت من القلب قبل العيون، فعندما يفجع القلب ويعرف بأن صراعه مع العقل كان باطلاً، وأن آلام الأرض سكنت به نتيجة هذا الاختيار الخاطئ، عندها فقط تترجم العيون لغة القلب، فتلامس الوجنتين سخونة فيها حرارة لم يعهدها الجسم قط، ربما هي رسالة بأن الدفء الذي فقدته ممن تأملت الدفء منه سيخرج منك أنت، لست بحاجة لأحد.. كن قوياً، امض دون أن تنظر للوراء، فطريق المستقبل حلو، لكن أحسن الاختيار، تعلم من أخطائك، أضف كل خطأ وقعت به إلى قاموس النجاح، فعندما تكون إنسانا نبيهاً؛ لن تذوق طعم الفشل أبدا فمن يتعلم من فشله سيرتقي ويتطور، وفي النهاية سيحصل على ما يريد، فقط ثق بالله، فقد قال المصطفى في الحديث القدسي: ” أنا عند ظن عبدي بي” ما أجمل الطمأنينة النابعة من الثقة والتوكل على الله، إن فيها راحة عظيمة لو سجدنا لله دهورا و دهورا على نعمة الإسلام لما وفينا شكر تلك النعمة العظيمة، لنستشعر جميعا عظمة الدين الإسلامي ، فحتى الشوكة يشاكها المسلم تكون تكفيرا له عن خطاياه فما أجمل ديننا الحنيف الذي يعيننا على الصبر ويكون البلسم الشافي لأوجاع وتقلبات الحياة.