اللوحة: الفنان الإسباني سلفادور دالي
حينما أراها
تتهمني بأنني لم أعد أهتم بها كما كنت أفعل حتى وقت قريب!، قد جادلتها وأكثرت جدالها، أقسمت لها، وقلت: خيط رفيع بين الوهم والخيال، ليس كل ما يرد على البال هو حقيقة. غير أنها لم تصدّق ما قلت، عَقَدَتْ ما بين حاجبيها، نأت بجانبها وأَعْرَضَت عنيّ كأنما تُنهي مقابلة رسمية بيننا.
على رغم أن اليأس رفيقي من عقود بعيدة، إلاّ أنه يتجاهلني حينما أراها يفر من بين يديّ كشيطان يفزع كلما سمع آية كريمة.
قلت لها: ذلك حالي كلما التقيتك، أشعر كأن الزمن يتجمّد وأن عقارب الساعة تأبى التحرّك، أجزم أنها تتلكأ كل مرة حتى لا تغادر مكانها، تراقبنا وغَيْرة تفتك بها. أظن أنني رأيت أحدها يلتفت كثيرًا خلفه وأنا أحادثك، أعبث بخديّك بأصبعي، أتحسس أرنبة أنفك الدقيق، أرسل إليك قبلة على الهواء.
عندها سقط “العقرب” من طوله من الغيظ، أقسم أنّي سمعت لسقوطه رنينًا معدنيًا لا تخطئه الأذن، تدحرج على جنبات الساعة كثكلى تولول على وحيدها، لكنّي لم أعره أدنى اهتمام، كيف أهتم بآخر وأنتِ بين يديّ!.
آداب الطعام
“لا تسير الحياة هكذا يا عزيزي، فلا يمكن أن تتسع الهوّة بيننا دون حد تقف عنده، كما لا أحبّذ أن تسيء فهمي كلما تحدّثنا معًا، مؤلم للغاية أن تفتّش بين كلماتي، تبحث عن السيء من المعاني، أن تلوي عنق المفردات كي تتفق مع هواك..”
كنت أتكلم دون ضابط، تنطلق الحروف من بين أسناني منضغطة كألغام تسعى وراء ضحية لتطيح بها، بينما كان يقف غير بعيد، ينظر إليّ فاتر الثغر، ثم جلس على كرسيه الخشبيّ، عَقَدْ يديه خلف رأسه، راح يتفحّصني، يرمقني بهدوء غريب..
تنحنح كمن يرغب في التقاط خيط الكلام، فأدركت مراده، توقفت برهة لأمنحه الفرصة، لألتقط أنفاسي، وأمسح عرقًا، جاء ردّه باردًا كعهدي به، قال: يبلغ سوء الظن مداه بالمرء حينما يلتف حول عنقه حبلاً من ريبة كل ما هنالك أنيّ أزن كل شيء، أميز الغث من السمين، يحق لي آنذاك أن أهضم هذا وأرفض ذاك، فهل أنا ملوم إن بدأت الطعام بتلمّس مذاقه بشك؟.