حنان عبد القادر
اللوحة: الفنان الروسي قسطنطين كوروفين
كم من أغان كتبها الشعراء نحفظها عن ظهر قلب، نترنم بها وتملؤنا شجنا وسعادة، لكننا لا نتذكر كاتبها؟
سألت نفسي هذا السؤال وأنا أبحث عمن كتب أشهر وأجمل الأغاني الرمضانية التي أسرتنا وأسعدت طفولتنا، وما تزال تملؤنا بالحنين كلما سمعناها، بل أصبح صغارنا يرددونها وتسعدهم مثلما كانت تسعدنا.
سألت نفسي ودهشت كثيرا وأنا أجمع المعلومات عن بعض تلك الأغاني التي شدا بها الثلاثي المرح وغيرهم ممن حفروا في ذاكرتنا الغضة: “أهو جه يا أولاد – سبحة رمضان – افرحوا يابنات – هاتوا الفوانيس …إلخ”
إنها أشهر أغاني رمضان على الإطلاق، يحفظها ويرددها الكبار والصغار، فإن سألتهم عن كاتبها، لم يجدوا جوابا.
المدهش في الأمر، أني ممن وقع في هذا الفخ، فطوال تلك الفترة من عمري لم أبحث بجدية عن كاتب تلك الأغاني البديعة، ولما أوقعتني نفسي اللوامة في الذنب؛ قررت أن أكتب تلك الكلمات؛ علها تكفر عن خطيئتي.
وقبل أن أسير قدما في حديثي، سأطرح عليكم سؤالا أتمنى أن يجد جوابا عند البعض منكم، فإن لم يكن له جواب، فتابعوا معي قراءة المقال.
من منكم يعرف المونولوجست سعاد وجدي؟
إنها الشاعرة نبيلة قنديل، زوجة الموسيقار الراحل علي إسماعيل، وصاحبة أشهر أغنيات رمضان التي تغنى بها الثلاثي المرح* – «أهو جه يا أولاد»، «سبحة رمضان»، «افرحوا يا بنات» – وغير ذلك من الأغاني التي بقيت مضيئة في ذاكرة الناس مثل: «شايلين في إيدنا سلاح» والتي غنتها المجموعة، و«أم البطل» لشريفة فاضل التي طلبت من نبيلة شخصيا أن تكتب لها أغنية عن ابنها الشهيد؛ فخرجت تلك الأغنية إلى النور.
تميزت شاعرتنا بكتابة الأغنيات الرشيقة التي غناها الثلاثي المرح، والتي صاحبت الرقصات الشعبية في فرقة رضا للفنون الشعبية مثل: «حلاوة شمسنا» و«ياللا عندنا رحلة»، وأغنية محمد العزبي «حتشبسوت».
كما كتبت العديد من الأغنيات مثل «راحة فين يا عروسة» لشادية، ولمحمد فوزي «يا طالع الشجرة» ولفايزة أحمد «أبو عيالي»، والأغنية الأشهر في فيلم «الأرض» ليوسف شاهين «الأرض لو عطشانة».
بدأت نبيلة قنديل مشوارها كمنولوجست باسم «سعاد وجدي»، وهو اسمها الحقيقي، وقتها تعرفت إلى الفنان الموسيقار علي إسماعيل* الذي تيم بها وتزوجها، وبعد اعتزالها الغناء، كونا معا ثنائيا فنيا مميزا، خاصة بعد التوأمة التي قامت بينه وبين فرقة رضا للفنون الشعبية*، وتبنيه للثلاثي المرح؛ فقد وجدت الفرصة سانحة لتعبر بطريقتها الخاصة عن مشاعر المرأة ونظرتها للحب والوطن.
تعتبر نبيلة قنديل من شاعرات جيل الوسط، فهي من أولى الشاعرات اللاتي خضن غمار تجربة كتابة الأغنية في مصر بعد جيل العصر الذهبي الثاني للأغنية في النصف الأول من القرن العشرين، وأكثرهن قرباً إلى أذن ووجدان المتلقي، ليس فقط لارتباط اسمها باسم زوجها الموسيقار علي إسماعيل الذي لعب دوراً كبيرا في تقديمها للوسط الفني، واكتسابها شهرة بما قدم من ألحان لكلماتها، بل لقدرتها على كتابة العديد من الأغاني التي علقت بأذهان المستمعين؛ فما كتبته نبيلة قنديل كان تلقائيا عفويا قريبا من أحاديثنا اليومية، وتميزت بذكائها في التقاط الموضوعات وبساطتها في انتقاء الكلمات المعبرة عنها، فهو كالسهل الممتنع، البدهي غير المتوقع، ولذلك عاش مع الناس، وسيستمر معهم متوجا مسيرة نبيلة قنديل كشاعرة من أوائل شاعرات الأغنية في مصر.
ورحلت نبيلة قنديل بهدوء في 14 يناير عام 1988، بعد أن تركت تجربة متفردة ومختلفة عن السائد في كتابة الأغنية المصرية، رحلت وتركت كلماتها المعبرة تعيش في وجدان الناس، يرددونها بحنين ووجد غريبين، يحفظها الأبناء جيلا بعد جيل.
*الثلاثي المرح: فرقة غنائية مصرية شهيرة، ترجع فكرة تكوينها للموسيقار علي إسماعيل، تكونت من ثلاث فتيات من خريجات معهد الموسيقى العربية، هن: وفاء محمد مصطفى، وصفاء يوسف لطفي، وسناء الباروني. ظهرت في خمسينيات القرن العشرين، وتميزت بأغانيها الاجتماعية الخفيفة المرحة ذات المذاق خاص والأداء الممتع.
*علي إسماعيل: موسيقار مصري شهير، مؤلف وموزع موسيقي، له الكثير من الأعمال في الإذاعة والسينما والمسرح، ومع فرقة رضا للفنون الشعبية، أدخل الهارموني في الأغنية المصرية، ووضع الموسيقي التصويرية لأكثر من 350 فيلما سينمائيا مصريا، بالإضافة إلى العديد من الأغاني الوطنية، وتلحينه للنشيد الوطني الفلسطيني.
*فرقة رضا للفنون الشعبية: فرقة استعراضية مصرية بدأت في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، على يد الأخوين علي ومحمود رضا، قدمت عروضا لاقت القبول والاستحسان، وتعتبر أول فرقة خاصة للفنون الشعبية.
أغنية «أهو جه يا اولاد» للثلاثي المرح من كلمات نبيلة قنديل وألحان علي إسماعيل
حانة الشعراء 