اللوحة: الفنان الفرنسي غوستاف دوريه
وهيب نديم وهبة

هَمَسَ الصُّوفِيُّ كَريحِ شَجَرٍ
يَصعَدُ إلى قُدسِ الْأقداسِ وَشَجَرٍ
يُعَانِقُ سَمَاءَ بَيتَ لَحمَ..
الْعَابِرونَ كَانُوا..
مُنذُ فَتَحَ التَّاريخُ عَينَيْهِ عَلى الطَّريقِ،
يَحمِلونَ أثقالَهُم، أَحمَالَهُم، أَحلامَهُم،
وَيَصعَدونَ مِنْ بَابِ الرِّيحِ إلى بَابِ السَّماءِ..
قُلْتُ: مُبارَكٌ صُعودُ الرَّبِّ،
وَمُبَارَكٌ هُيَامُ الْقَلبِ السَّابِحِ فِي مَلَكوتِ الْعَرشِ..
مُبَارَكٌ لِلْحَالِمِينَ فِي الْعِشقِ وَالْحَامِلِينَ كِتَابَهُم،
وَعَلى صُدُورِهِم، يَرفَعُهُم الْمَجدُ..
قَالَ الصُّوفِيُّ مَا بَينَ الْيَومِ الأَوَّلِ وَالثَّالِثِ،
صَعِدَ المَسيحُ إلى مَلَكُوتِ السَّمَاءِ،
وَصَعِدنَا مَعَهُ، بِالرُّوحِ وَالتَّقديِسِ..
صَعِدَ كَسُنبُلَةِ قَمحٍ لِلْجَائِعينَ،
الْمُبعَدينَ عَنْ حُقُولِ الْكَلِمَةِ..
صَعِدَ كَرَفَّةِ جَفنٍ بَينَ الطَّيرِ وَالشَّجَرَةِ..
وَكَمِثلِ بَرقِ السَّمَاءِ أنارَ الدُّنيَا..
عِندَها.. صَدَحَ النَّهرُ بِالْغِنَاءِ
وَاستَيقَظَ الزَّهرُ فَوقَ شِفاهِ الْمُعَذَّبينَ –
أُغنِيَةً للْحَيَاةِ..
قُلْتُ: سَلامًا عَليكَ وافْتَرَقنَا
كَانَ الصُّوفِيُّ يَبتَعِدُ، يَختَفي،
يَتَلاشَى بَينَ الظِّلِّ وَالضَّبابِ وَالْغِيابِ..
وَكُنْتُ غَارِقًا بِالنُّورِ.. مُتَوَّجًا بِالنَّارِ..
مُكَلَّلًا بِالْحَقِيقَةِ..
مَسكُونًا بِرَعشَةِ الْحُضُورِ.
هُوَ الآنَ أمَامي
يَسِيرُ بَينَ النُّجومِ..
حَامِلًا فِي يَدَيْهِ مَفَاتِيحَ السَّمَاءِ
أيقَظَني كَنَارُ الصَّبَاحِ يَشدُو
يَنقُرُ شُبَّاكِي وَيَهفُو لِلْغَدِيرِ
كَانَ حُلُمًا
سَكَنَ رُوحِي وَأنْتَ فِيهِ أجَمَلُ رُوحٍ
خُيولٌ مِنْ خَيالاتِ الشِّعرِ
تَعدُو فِي يَقظَتِي، تَخطُو فِي مُخَيِّلَتي،
كَمثلِ خُطواتِ الرَّعدِ، عَلى عَتَباتِ الْمَطَرِ
مِهرَجَانُ حُضُورِكَ سَيَّرَني..
سَيَّرَنِي وَأنتَ أمَامِي..
تَعلو فَوقَ الشُّهُبِ
سِراجًا سَرى نُورًا..
ملاكًا يسيرُ على الْمِيَاهِ
أسِيرُ مَعَكَ،
أسِيرُ بِقُربِكَ،
كَالظِّلِّ الّذِي خَطَّ خُطاكَ
بِتُرابٍ تَقَدَّسَ..
تَتَمَاهَى خُيولُ السَّمَاءِ،
وَصَهيلُ الْأرضِ.. صُراخَاتُ الرَّعدِ
وَالْجِيَاعِ الْفُقَرَاءِ..
تَأتِيكَ الْجُمُوعُ وَتَأتي الْمُعجِزَةُ..
كُلُّ أسمَاكِ بِحارِ اللهِ بَينَ يَدَيْكَ.
يُغَادِرُنِي وَيَمُرُّ كَالرِّيحِ الْمُعَطَّرِ
مَا بَينَ غِيابٍ وَغِيابٍ..
مَا بَينَ غِيابِ الْقَمَرِ وَشُرُوقِ
الشَّمسِ..
وَمَلايِينُ المُؤمِنِينَ تَقرَعُ الْأجرَاسَ..
وَالكَنَائِسُ تُوَزِّعُ مَفَاتِيحَ الصَّلاةِ
وَتَعلو التَّراتِيلُ وَالتَّرانِيمُ،
وأَصواتُ الْحَناجِرِ تُعانِقُ السَّمَاءَ
الْمَسِيحُ قَامَ
حَقًّا قَامَ
كَرَفَّةِ الضَّوْءِ وَبُزُوغِ الْفَجْرِ
وَأنَا الْمَوجُودُ حَتّى فِي الْغِيابِ
أترُكُ لِلعَالَمِ…
أترُكُ بَينَ يَديْكَ رِسَالَةَ الْإنسانِ
“الْمَحَبَّة”
إلى الصَّديقِ وهيب نديم وهبة – د. فهد أبو خضرة
تَفْتَحُ أُفْقًا يَعْجِزُ الكَلامْ
عنْ وَصفهِ،
إلّا كَلامَ مُبْدعٍ وَهَبَهُ الخيالْ
أجْنحَةً تُعانِقُ الْمُحالْ
أُفْقًا تَطوفُ في مَداهْ
مَحَبَّةٌ نقيَّةٌ طاهِرَةُ الحرُوفْ،
تَعَلَّمَ البهاءُ مِن إِشْراقِهَا مَعانيَ البَهاءْ.
تَصْعَدُ في مَدارِجِ الأَنوارِ والصَّفاءْ
مُعَانِقًا أَسرَارَها،
مُحْتَضِنًا رُموزَها،
تَحْمِلُها لِكلِّ مَنْ تَشوقُهُ حَلاوةُ الكَمالْ.
بِها الضِّياءُ يغمرُ الوجودْ
بِها السَّلامُ تنتشي دروبُهُ
يَفْتَحُ للأجيالْ أبوابَهُ واسعةً لآخِرِ الزَّمانْ.
بُوركتَ إذ سَمَوْتَ في مَسارِبِ الجَوَاهِرِ النقيَّةْ،
فَوق فَضَاءِ العَرَضِ الْمَوسُومِ بالقُصورْ،
يا رائدًا تُكْبِرُهُ العُقُولُ وَالقُلوبْ
تَحمِلُهُ مَنَارَةً إلى الغَدِ الفَريدْ.
طَريقُكَ السَّديدْ
كانَ وَيَبقى أَبَدَ الدُّهورْ
رَجَاءَنا، نَحنُ بني الفَناءْ،
رجاءَنا المَجيدْ.