اللوحة: الفنان الإيطالي أميريكو مازوتا
صلاح حسن رشيد

حتَّىْ الآنَ أنا لا أُصَدِّقُ ما تَحَقَّقْ!
ولا أَسْمَعُ أو أرىْ إلَّا ما أُصَدِّقْ!
وكلُّ ما حولي يُكَذِّبُ ما أقولُ لا يُصَدِّقْ
وأنا في يقينيْ بِها واعتِقاديْ أُثْبِتُ وأَتَمَنْطَقْ!
ضَلَّ مَنْ كانَ يَهْذِيْ أو يَخورُ؛ فَيَتَشَدَّقْ!
وأنا ماضٍ في حقيقتيْ هذه بِبَراهِيْنِيْ أَتَدَفَّقْ!
فهذهِ هيَ قناعاتيْ ودُفوعِيْ وحُجَجِيْ تَتَأَلَّقْ!
فَهْيَ تَحْيَا تحيا لاتزالُ بِعطاءَاتِها تُغْدِقْ!
ماتزالُ بِحَنانِها الكَوْثَرِيِّ الرَّحِيْمِ النّادِرِ تَجودُ فَتَسْبِقْ!
وأنا أَسْتَطْعِمُ ما تَحْمِلُهُ إليَّ مِنَ الرَّحِيْقِ؛ فَأَتَذَوَّقْ!
كلَّ يومٍ أراها وأتَمَلَّىْ أَتملَّىْ في حَدِيثِها المُتَأَنِّقْ!
وهْيَ تَضْحَكُ تضحكُ مِنْ صَنِيْعِيْ وأنا أُصَفِّقْ!
عِشْتُ مَعْها في جَناها أَتَنَعَّمُ بالنَّعيمِ سَرْمَدِيًّا
ولم أَعْرِفْ أنَّني قد أَهْبِطُ مِنْ جَنَّتِها؛ فروحيَ بَعْدَها تُزْهَقْ!
وحَياتيْ تَوَقَّفتْ بَعْدَها؛ كَأَنَّنيْ ما كنتُ؛ فأنا الآنَ أَتَشَقَّقْ!
في عَذابيْ أتَلَوَّىْ ضائعًا أبْحَثُ عنها في المَجَرّاتِ أَتَحَرَّقْ!
فأينَ أنتِ الآنَ يا أُمِّيْ؟! ولماذا هذا الرَّحِيلُ؟! وكلُّ هذا القَلَقْ؟!
ضاعت الدُّنيا والسَّعادةُ مِنِّيْ والمِفتاحُ وما سَبَقْ!!
والأحلامُ تلاشتْ، والعناقيدُ انفرطتْ وانْدَلَقَتْ!
وأنا أَعيشُ في سَعيرٍ بعدَ فِرَدَوْسٍ ومَشْرِقْ!!
فخذوها مِنِّيْ حَقِيقَةً مُؤَكَّدَةً: كيفَ يحيا إِنسانٌ
وأُمُّهُ في التُّرابِ؟! وكيفَ يَهْنَأُ بِلُقْمَةٍ ويَتَفَوَّقْ؟!
نِعْمَةُ اللهِ الكُبْرَىْ هي أُمٍّ تُحِيْطُكَ فيْ حُشاشَتِها
وأنتَ تْلْهوْ مِنْ حولِها سَعِيدًا لا تُحِسُّ بِها وهْيَ تُصْعَقْ!
فما الحياةُ إلَّا الأُمَّهاتُ بِقُلوبِهِنَّ تَعْمُرُ الدُّنْيا؛ فَتُشْرِقْ!
وتنشرُ المحبَّةَ بينَ بَنِيها والكونِ؛ فلا تُفَرِّقُ ولا تُمَزِّقْ!
وتبعثُ الأملَ والهناءةَ والطُّمأْنينةَ في الخَلْقِ لا لا تَتَزَوَّقْ!
وتُلاقيْ مِنَ الهَوانِ والقَسْوةِ والعُقوقِ ما يكادُ يَخْنُقْ!
هؤلاءِ يا صاحِ هُنَّ الأُمَّهاتُ في حياتِهِنَّ المديدةِ سحائبُ تُشْفِقْ!
ولا تَجِدْنَ مِنَ الأولادِ والأزواجِ وزوجاتِهنَّ إلّا الصُّدودَ المُسْتَغْلَقْ!
فما لِلأبناءِ والبناتِ هذه الجهاماتُ المُشتراةُ بِصَفَقَاتٍ
مِنَ الشَّياطينِ والأَبالسِ ضِدَّ نَبْضِ اللهِ تَسْتَبِقْ؟!
وبِرَغْمِ ما أسْمَعُه وأُشاهِدُه مِنَ القصصِ الدَّامياتِ والحكايا
عنْ ظُلمِ الأُمَّهاتِ واضْطِهادِهِنَّ في سُجونِ الأولادِ؛ فلا أُصَدِّقْ!
فكيفَ اسْتَعْمَىْ الأَبناءُ وصَمُّوا عن “جَنَّةِ اللهِ” بِأَرْضٍ؟!
وكيفَ كيفَ اعتصموا بالجُحودِ؛ فآيةُ الضَّلالةِ كلُّ ابنٍ يُنَعِّقْ!
فَمَنْ كانتْ أُمُّهُ تحيا؛ فَلْيَخِرَّ تحتَ قَدَمْيها
ضارِعًا في عَفْوِها الجميلِ؛ فَهْيَ رَحماتٌ وعَبَقٌ وإِسْتَبْرَقْ!