نقود أمي وأبي

نقود أمي وأبي

اللوحة: الفنان النمساوي هانز حمزة

نهلاء توفيق

أفقتُ في الصباح الباكر بعد أن أرادوا تزويجي عنوةً، وإرغامي على ترك الدراسة؛ فخرجت واستقللت أول تاكسي صادفني. 

– إلى أين؟ 

– سرْ في كل شوارع العاصمة ولا تتوقف.

– ماذا؟ 

– كما قلت لك، واضبط العداد، لا تخف، سأعطيك كما يسجل.

– طيب.. طيب.

دخلنا في وقت الظهيرة، فأوقفته بجانب مطعم فخم، أكلت وأكل كثيراً جداً «ما شاء الله عليه أكيل» واستمررنا فقلت له: إلى البحر. 

– يا بنتي أنا رجل كبير أخاف الله وأخاف عليك وعلى نفسي، افهميني فقط، لم هذا؟ وماذا الذي تريدينه من هذه المشاوير؟ والله شغلتك تخوف.

– يا عم، لا تخاف، صدقني لن أضرك بشيء، فقط نزهة أرفهُ فيها عن نفسي وأخرجُ الألم الذي يسكن صدري، وسترجعني ليلاً إلى نفس المكان. 

– طيب، هداك الله وأراح بالك، ولكن من أين لك هذه «الفلوس» وانت بهذا العمر؟ 

– سرقتها من والديّ وهما نائمان.

– ماذا؟ بربك تريدين أن أستمر معك وأنت تسرقين والديكِ؟ لا لا، سأسلمك للشرطة! 

– يا عم، القصة طويلة، وهي ليست سرقة بالمعنى الذي فهمته، إنما ارجاع حقوق.

– لا أفهمك وأتعجب من تصرفك.

–  القصة ستتعبك يا عم صدقني، أكمل مسيرك أكمل هداك الله.

***

كان البحر هائجاً وكأنه في كل موج يريد احتضاني؛ ياليته يفعل ذلك.. ليته! تقرب مني العجوز، وأظنه خائفاً ولكنه حذر جداً.

– ابنتي الله يهديك دعينا نرجع، أخشى عليك وعلى نفسي، لنترك البحر ونأخذ وجهة غيرها. 

صار المساء ودخلنا حديقة غناء، فأكلنا البوشار ولعقنا الدوندرمة وحتى شعر البنات، فضحكنا كثيرا ولهونا.

– ابنتي، بالتأكيد أهلك الآن قلقون ويبحثون عنك الآن في مراكز الشرطة. 

– لا تأبه يا عم، هم لا يقلقون ولكن يخافون الناس والسمعة.. ضحكت كثيرا كثيرا، وصار العم يبكي.

– لماذا تبكي عماه؟

– أخشى عليك من كارثة تلحق بك وسيلحقني إثم بهذا، دعيني أرجعك ربنا يصلح بالك.

– طيب عمو، نزور مدينة الملاهي ونرجع.

– كلمة؟ 

– كلمة والله يا عم. 

الله كم هي جميلة وعمري كله لم أدخلها. كل الألعاب ركبناها حتى معدتي صارت تؤلمني، ولكن قلبي وعقلي تمتعا بالشفاء.

– أوك؟ 

– أوك عمو، ياللا بينا علبيت.

– ولكن أتركك في نفس المكان فلا أريد أن يراني أحد. 

– ما تخاف عمو، لن يعرفك أحد، حتى أني لا أعرف اسمك. عندما أنزل من السيارة اهرب بسرعة البرق.. ها ها ها، ضحك بقوة وضحكت معه.

– عمو، كم طلع العداد معك؟ 

أعطيته كل ما بقي معي، ونزلت لأرى الشارع كله، الشرطة والجيران حول البيت والدنيا مقلوبة، دخلت وكأنني لا أراهم، استلقيت على سريري ونمت، الكل يحاول إفاقتي، ولكني لم أفق ودخلت في حلم طويل.

صباحاً كانوا في غرفتي، والأسئلة والاستفسارات تكاد لا تنتهي، وأنا صامتة وهادئة جدااااا.. السؤال الذي ألحوا عليه بعدما وعدوني بأن لا زواج أبدا، وأني سأرجع إلى المدرسة؛ أين النقود؟! 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.