مشاهدات ميت

مشاهدات ميت

اللوحة: الفنانة المجرية إلكا غيدو 

محمد محمود غدية

في مساحة واضحة كتب نعيه في صفحة وفيات كبرى الصحف، ليقطع الرجعة على من يقولون: لم نقرأ النعي، معلنا موعد ومكان العزاء.

 لم يهمل أية تفاصيل بدءا من السرادق الكبير المقام أمام منزله، مؤكدا على تقديم الشاي المحلى بالسكر والقهوة للمعازيم.

لا ذنب للناس في تجرع المرارة والحزن، لأن مكابدة الحزن تكون لأهل المتوفى وحدهم، وبعض الأصدقاء، إذا كان هناك أصدقاء.. عدد قليل من زملاء العمل من شارك في الجنازة والعزاء.

في السرادق، سمع زميله شوقي يخاطب هامساً توفيق مدير الحسابات قائلا: الحمد لله إنه مات وأخلى الدرجة وأصبحت من نصيبي.

يا للبشاعة بدلاً من الترحم على المتوفى، فرحانين إنه مات. 

كتب على شاهد المقبرة: خفف الوطء هنا ترقد عظامي ليتها كانت عظامك.. يخص تلك العبارة زملاء العمل الذين فرحوا لموته.

في مشهد آخر.. الزوجة أمام المرآة، لا تنسى أناقتها، تمرر أصبع الروج خفيفاً على شفتيها، ليقال أن احمرار الشفاه طبيعي، ترتدي الثوب الأسود الذي يكشف أكثر مما يخفي، كان قد اشتراه لها في مناسبة عيد زواجهما، تشد الثوب لأسفل صدرها لتكشف عن ذلك الخط الذى يفصل بين الكرتين المتماسكتين في إحكام، أخذت وقتاً طويلاً في إدرار الدموع المستعصية على النزول، سمعها تردد همساً: إنه الآن في راحة، وأنا الأخرى! 

مشهد أخر.. الأبناء وهم يتصارعون على الميراث، في زمن وجيز وكأنهم في سباق ماراثون، تم إنهاء كل الأوراق وإعلام الوراثة والمعاش.

كان قد أوصى الزوجة والأولاد برعاية الزرع أمام المقبرة التي أهملوها، حتى جفت وتهدلت سيقانها وتساقطت أوراقها.

انتبه لصوت زوجته وهي توقظه قائلة: ما تنساش موبايل سمير الجديد بدلا من القديم التالف وحذاء داليا، وافتكر تقدم على سلفة لسداد مصروفات مدارس الأولاد.

لم تسمعه وهو يقول: الموت أرحم.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.