شعارات 

شعارات 

هيام علي الجاويش

اللوحة: الفنان الأردني عماد أبو اشتية

صديقي..

خرجت من منزلها, وجال بصرها وفكرها في كل زاوية لعلها تجد شعاراً كي تقوم بحملتها وتضع برنامج عملها؛ فالمنافسة شديدة، وهي تدرك بأنها تأخرت كثيراً, فحسب نشاط وحركة البقية تكاد تكون ساكنة. بحثت كثيراً إلى أن لفت نظرها سحر الموقع والباب الكبير المزينة حواشيه وأعلاه بلوحات ذات إضاءة بألوان متعددة حمراء وصفراء و خضراء, فدخلت لعلها تجد ضالتها. نظرت إلى اليمين وإلى اليسار وفي كل الاتجاهات لعلها تهتدي على ما تبحث.

استقبلتها الموظفة من وراء المكتب في صدر الردهة الكبيرة بابتسامة عريضة, مشجّعة, متّوسلة ومواسية قائلة: أهلاً وسهلاً، أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل. لكنها ردت بنفس الابتسامة: آسفة أخطأت، وخرجت فوراً. لماذا خرجت؟ هل وجدت شعارها؟ 

هل هو إلهام؟ إيحاء؟ أنا أقول: لا هذا و لا كل الذي قيل، فقط كانت قد اكتشفت زيف الشعارات وخاصة هذا الشعار.. هذا حسب قولها, وعلى حد تعبيرها أن هذا الشعار يلغي قيمة الزمن, والذي ينهجه على الأرجح قد لا يصل، ورغم اقتناعي سألتها باستغراب كيف؟

قالت: اسمعي، آسفةٌ أيها المسافر تأخرت، طيارتك أقلعت، آسفة أيها الطالب تأخرت، ممنوعٌ دخولك, امتحانك قد بدأ، عذراً أيها الطبيب لا فائدةٌ من قدومك تأخرت مريضك مات.

قلت لها: تمام.. ولكن هذه أمور مفصلية, ما كل الحياة هكذا، ابتسمت وقالت: لا. أن كل الحياة هكذا, فالذي يحتاج وقتاً أطول للوصول، يحتاج نفس الوقت لإدراك الفشل.

حركت رأسي علامة الإيجاب لأنني لم أفهم قصدها، لكنها فهمت أنني لم أفهم، فقالت: سأعطيكِ مثالا: إذا تأخر الطالب في دراسته, لنقل تأخر بسيط، هل يدرك النتائج في الوقت القريب؟

لا, لا يدركه إلاّ في الوقت البعيد, ربّما في نهاية العام أو في نهاية المرحلة، فتقصيره كان تقصير عام أو أعوام, فيلزمه هذا الوقت حتى يدرك أنه تأخر، وكذلك الجندي في تدريبه ولياقته 

وأيضاً الأم تحتاج أعواما لتربية أولادها, هي ذاتها الأعوام التي تحتاجها لرؤية نجاحها أو فشلها كلياً أو جزئياً. 

مددت يدي وأخذت ورقة وقلت: ها قد وجدت لك شعاراً وكتبت.. إن لم تصل في الوقت المناسب فخير لك ألا تصل! فاستاءت مما كتبت وقالت: نلغي شعاراً بشعار أسوء منه، بمعنى أنه من يشعر بأنه لا يستطيع الوصول عليه أن يتقاعس وألا يحاول. 

وعندما رأت تململا مني قالت: سأقول وباختصار.. حدد هدفك.. وأختر أقصر الطرق.. وأبدأ ركضك الأزلي الأبدي, لعلك تستطيع الوصول، لكن بدون شعارات، اعمل فقط، وأخلص العمل، 

لكن ممارسة وليس شعار. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.