العْرُبي زوجي

العْرُبي زوجي

اللوحة: الفنانة السعودية ليلى مال الله

نهلاء توفيق

دائما كانت تقول أمي وتردد: «يمّة العْرُبي يبقى عْرُبي، ما يتغير» ولكن هل غيرتْ شيئاً من قناعتي بحبّ صالح والدوران معه حول الساقية بعد خروجي من المدرسة؟ كنتُ أتأخر كل يومٍ وتشرعُ في ضربي، فأنا لا أفهم ما الذي لا يتغيرُ فيه والذي تريدُ هي أن يتغير فيه؟ منذُ وصلنا القرية بعد تعيين أبي فيها وأنا سحرني هواؤها ورائحة الروث ممزوجةً برائحةٍ الطين الحريّ. 

إنه يحكي لي كلٌ يومٍ حكايةً مختلفة، فتارةً عن عنزته التي لا تدر حليباً إلا إذا صعد فوقها وخنقها، وأخرى عن الثور الذي يعاند ولا يدور إلا وهو معه، أما الدجاجات فتعشقه وتصعد سريره على السطح بعد المغرب، فينام على الأرض تحت رجليّ ديكه الذي يصيح عند الساعة الثالثة فجراً فلا يقدم ولا يؤخر.. كيف لي أن أتركه يا أمي وقد صار رفيقي وشهريار حكاياتي؟

– أنا آخذك على قد عقلك، كلها كم شهر ونرحل من هنا. 

يحضر أبي من دوامه؛ فيخبرنا بأنّ هناك بنتاً مذبوحةً في المركز كانوا قد عثروا عليها مرميةً في الساقية والدنيا مقلوبة. 

– لماذا؟ ومن ذبحها أبي؟ 

ترد أمي بسرعة لأن أبي يفكر قبل أن يجيب: «بنتي هذولة عُربان، وهاي جانت وية ابن عمها بالزرع، الله اليستر» لم أفهم ولكن أمي لا تسمح لي بأسئلةٍ أخرى، فاضطررت لأن أسأل صالح والذي أخذ نفساً طويلاً قبل أن يجيبني: هي عارٌ والعار لا يعيش.. وأيضاً لم أفهم، فاضطررتُ للتنازل عن فهمي بعد أن تركني لحيرتي وغادر.

في المدرسة كانت صديقتي سليمة تفهم بامتياز، فكما تقول أمي: «ماما هذولة يفهمون أحسن مني ومنج» رجعتُ البيت وتفكيري مشوشٌ لا يجيد التجميع. نمتُ بدون تناول طعام الغداء حتى، وصالحُ ينتظر عند الساقية لا يعرفُ أني فهمت. 

بعد أسبوع كان يرمقني بنظراتٍ حائرة أمام باب المدرسة لا، لا، عزِّ نفسك بأني فهمت. 

عند استقرارنا في المدينة تزوجت بخريجٍ مثقف «أو هكذا يقولون»، وما يزعجني أنه كان يتفلسف كثيراً وينتقدُ كل من لا تعجبه تصرفاته ويصفه بالهمجي العْرُبي، بخيلٌ ولا يرضى بصرفي، دائماً يقول لي: «انتي مثل العْرُبي متنضم جوة راسه ضميمة»*

يوماً ما هربت أخته سميرة من الجامعة مع من تحبّ إلى شمال البلاد، لأنهم أبوا أن يزوجوها له لفقره، ذبحها، لم يكن بسكينٍ كفتاة النهر، ولكن كان برصاصةٍ من عمها الضابط. 

كل يومٍ يأتيني صالحٌ في المنام ويقول لي: قلتُ لكِ إنّ العار لا يعيش، ولكني لم أكن لأذبح أختي. 

– لكنك غادرت ولم تُفهمني أكثر! 

– يا ليتكِ أمهلتيني حتى أُفهمكِ، انتظرتكِ أسبوعاً وأكثر. 

– ليتك كنت سريعاً في الردّ كأمي. 


 *العْرُبي متنضم جوه راسه ضميمة: مثل يقال للذي يصرف كل ما عنده ولا يحتفظ به للغد، كالقروي يأكل كل قوته اليومي.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.