اللوحة: الفنان البلجيكي رينيه ماغريت
أتذكر هذا اليوم الذي مَرَّر حياة جدي وعائلة السوابقة كلها، كان قد مر على زفافي عدة أيام، وكان الزفاف تتويجا لحب نما بيني وبنت خالتي منذ الطفولة، أتذكر هذا اليوم وكأنه الحاضر الذي لا يرحل، عائلة السوابقة قوية وذات نفوذ وبطش، وتمتلك أكثر فدادين القرية، ما أكثر أعداءهم وضحاياهم، وحين يطولهم حادث من مجهول؛ يصبح عسيرا معرفة الجاني، فتاريخهم الظالم طال أكثر أهل القرية.
في جوف ليل شتوي كثيف السحاب وبلا قمر منير، وبينما جميع أفراد العائلة نائمون في السرايا المحاطة بالأسوار العالية والمحصنة بحراسات في كل الزوايا، فَزِعنا جميعا على عصابة مقنعة كثيرة العدد، تغلبت على الحرس واقتحمت السرايا، وقامت بحشد الجميع في الدور الأرضي حيث دار الضيافة الواسعة، ومن أعلى، صدر صوت من أحد الرجال المقنعين ينادي على أول أسرة، قاد رجلان الزوج والزوجة إلى أعلى وادخلاهما إلى غرفة نومهما، بدأوا بالزوجة فوضعوا شريطا لاصقا على فمها وعصابة على عينها ثم أوثقوها وهي ممددة على سريرها، توجه أحدهم إلى الزوج قائلا:
سنمنحك الخيار في مصيرها، هل نغتصبها أمامك وأنت مقيد ومفتوح العينين لتشهد هذا المحظوظ الذي سوف يتمتع بها؛ أو نفقع لها عينا واحدة أو نقتلها؟ وسوف يطبق حكمك حالا بمجرد النطق، لو اخترت الاغتصاب ستغتصب فورا، لو نطقت فقأ العين سنغرز هذا السن الحديدي في عينها فتصبح عوراء، ولو اخترت قتلها سيمر السكين على رقبتها فورا.. وإن لم تختار سنقتلك ثم نغتصبها، وهذا هو انتقامنا منكم الذي يشفي صدورنا، فماذا تختار؟
وبعد مساومات والتلويح ببعض العنف وممارسة إهانة وتوبيخ، كان على الزوج أن يقرر.. بعد أن نطق بقراره تركوا الزوجين في الحجرة مقيدين بعد وضع لاصق على الفم، بينما ينتظرا تنفيذ الحكم.
نادى المقنعان على الأسرة الثانية، وتكرر هذا السيناريو مع الأسر السبعة التي تسكن السرايا، وقام كل زوج باتخاذ القرار، بينما الزوجة تسمعه ولا تستطيع النطق وهي ممتلئة رعبا لتخيلها حكم زوجها عليها،وكنت أنا وزوجتي آخر من تم استدعاؤهما ثم خيروني واخترت.
وبينما كل زوجين في حجرة نومهما مقيدان ينتظران القدر القاسي، كان بقية الأبناء والبنات والخدم محتشدين في دار الضيافة الموصدة النوافذ والأبواب، يحاصرهم أفراد العصابة في الخارج بأسلحتهم الكثيرة، سمع الجميع هرجا وحركة غريبة لدقائق، ثم فجأة ساد السكون والهدوء، والجميع في دهشة وترقب، حتى طال الوقت بلا صوت أو حركة، فتجرأ أحدهم بدفع الباب برفق، ففوجئ به يستجيب ويُفتح بسهولة، نظر بحذر في الخارج فلم يجد أحدا من العصابة، وبعد دقائق أدركوا أن العصابة غادرت، فأسرعوا إلى غرف النوم وفكوا الوثاق.
انهالت الأسئلة من الجميع عما حدث داخل غرف النوم، ولم يستطع أحد البوح، ولكن شعر الجميع أن هناك مزيجا من الإرهاق والغضب بين الزوجات، وأمر جدي الجميع بعدم ذكر ما حدث، وأمر الخدم بذلك، وحذرهم من عقاب قاسٍ لو تسرب هذا الخبر لأهل القرية، وخاصة أنَّه لم يحدث اعتداء جسدي ولا سرقة، وقال جدي:هم حاقدون أرادوا الانتقام دون إيذاء، ربما يخشون بأسنا فاكتفوا بهذه الرسالة.
ظل الأولاد يسألوننا عما حدث بغرف النوم ونحن نداري وَنكذب ونختلق قصصا من خيالنا، ولكن لم يقتنع أحد بأي قصة وخاصة فقد لاحظ الجميع أن أغلب الزوجات مشتعلات غضبا، وكثيرا ما ينفلت من إحداهن توبيخا أو تأنيبا للزوج دون تصريح، ولا تصدر استجابة من الأزواج سوى التغاضي والتسامح، وعلى الرغم من أنَّ العصابة غادرت بجسدها إلا أنها أبقت أثرها من الكدر الذي عكرت به العلاقات بين الأزواج وأفسدت حياتهم، فما ِسَمعته كل زوجة من اختيار زوجها أحدث صدعا هائلا بينهما، فزالت الثقة ورحل الحب، حتى أنَّ زوجة عمي أصرت على طلب الطلاق وتطلقت بالفعل دون ذكر السبب.
وكنت الوحيد الذي نجا من الحادث، فلم تستطع العصابة أن تفسد طبق حياتي، لأنني لم أرسب في الاختبار واخترت…، فزاد حب زوجتي وزاد صفاء الحياة.
