اللوحة: الفنان الإسباني كاسيوس مارسيلوس كوليدغ
سليم الشيخلي

ـ فل آس*.
قالها بخوف حذر من أن يستمر سوء الحظ الذي لازمه الليلة قيد يسخر منه ومطبات تسرقه وتفسد لذة فوز مؤمل.
آثر التريث الأخرس ولما رمى اللعيبة أوراقهم وسط الطاولة، مد يديه يجمع النقود في الساعة الرابعة لفجر يولد بعد قليل. يلتصق التعب ودخان السجائر بالوجوه لافتة لاندحار سرمدي يمتد من الجسد كله ليستقر حول العينين. قام ليمط جسده وجرجر قدميه إلى غرفة تتكوم فيها زوجته ونصف دستة من العيال، هزها من كتفها..
ـ أم علي اعملي خمسة فناجين قهوة.
ضوء هزيل ونعاس يدفعها الجدار، تشق طريقاً بين الكتل النائمة، تستند الرف، تسقط بعض الكتب على الأرض.
ـ خمسة. أوكي*. باص*. أوكي. باص.
ـ ثلاثات*.
ـ مبروك. هارد لك*.
” ما العمل ” انحنت إليه، التقطته، وضعته على الرف دون مبالاة، فتحت باب المطبخ، الغلاية، جلست الأرض ومدت ساقيها للبعيد.
ـ كنت*، لا شيء*، فلوش*.
ـ ورق تعبان وابن ستين كلب.
قالها وهو يلملم أوراق اللعب ويداخلها ببعضها بأصابع تمرست اشياء متناقضة لجولة جديدة.
ـ عشرة دنانير.
رمى البعض عشرة وبدأ يوزع الورق ورقة ورقة، منشوراً منشوراً مثل هذه الساعة من الليل، يلصقها على الجدران، داخل البيوت، قرب الدوائر الرسمية المهمة ويعود منتصراً وما زال الدفء عالقا بين فراشه والأغطية.
ألقت الشرطة القبض عليه بالجرم المثبت تحت كنزته، حجز لمدة أسبوع، هراوات، تعهد خطي، البراءة من.. الإخلاص إلى.. ثم عاد ليعمل بسرية أكثر حتى قامت الثورة لتتداخل اوراق لعبة السياسية ببعضها لعصر جديد.
ـ الساعة الأخيرة. قال أحدهم.
غَيّر البعض أماكنه تيمناً بفأل حسن، الساعة الأمل الذي جاء على جناح دبابة واجهت مبنى الإذاعة، الأماكن المهمة، الناس، الشوارع وأغنيات جديدة.
ـ عشرة دنانير. قال رأفت
ـ ثلاثون. صاح الذي بعده
ثلاثون يوماً ثم نضبت زيوت مشاعلها.
ـ ثلاثة أولاد*. قال أبو علي بوجل
ـ فلوش*. قال أبو زهير، رمى البقية أوراقهم.
ـ ربع ساعة وينتهي اللعب.
مسّة كهربائية من جسده لذاكرته تنفجر لهيباً عند صدغية، الوقت الخسارة، ما تبقى من السلفة، آخر طلقاته. أودع السجن لأنه دافع عن الثورة. ضوء المصباح يخبو، السجائر تختلط بروائح الفوز والخسارة. نظر إلى الوجوه أمامه، أبو زهير قصاب أصلع كان يلعب الموت في قلعة الشقيف، الخروج المهين فقايضها بالبوكر. محقق جاوز الأربعين لا ينفعل ولا يتكلم إلا للضرورة. رأفت مهندس إسكندراني مبتسم في حضن اللعبة الفوز والنكتة الخسارة. فادي الهارب من سجن العدو إلى سجون الأصدقاء. هو، أبو علي الفارس الساقط من حصانه في مستشفى للأمراض العقلية، ثار، سب، قاوم لم يكترث به أحد، خمس دقائق وتنتهي اللعبة.
ـ عشرة دنانير.
قال وهو يرمي ما تبقى لديه. اشترك الجميع، وزع الورق، آس* يسقط أمامه، سحب ورقتيه المستورتين فوجد الملك *والبنت*. خمسون دينارا أمامه لو كسبها ستحل أزمة ما تبقى من الشهر. وزعت الورقتان الأخيرتان. سحبهما ببطء رفعهما قرب عينيه بحرفنة.
ـ تكاشفوا.
كشف الأولى العشرة، الثانية سبعة سوداء. لعن كل المساءات. ماذا سيشتري فطوراً والصغار يملئون الصالة، التواليت.
تأهب اللعيبة للخروج، هَمّ أن يقترض عشرة دنانير من رأفت لكن سحابة رمادية توقفت عند رأسه. سأم ثقيل يشده إلى الكرسي، انعقد لسانه، عضلات وجهه، أسند رأسه على كفيه فأمطرت أرقاماً وألواناً على رأسه تدور كالأفلاك حوله، رمى رأسه على الطاولة وصاح مذبوحاً..
ـ “ريست(١)”
*لغة البوكر
(١)الرهان بكل ما يملك