جلجـامش يعبر الأنديز

جلجـامش يعبر الأنديز

اللوحة: الفنان العراقي حسين الشبح

باسم فرات

الكنياريّونَ حَمَّلوا دُموعَهُم سِلالَ الذاكِرةِ

خَلَطوا السُّؤالَ معَ العَويلِ

وفي صُراخِ الرّيحِ رَمَوْهُ

رُحتُ ألْتَقِطُ سُؤالَهُم التَّـائِهَ في غاباتِ قَلَقي

ومِن يَدي يلتَقِطُ الكونْدورُ قَصائدَهُ

في جَسَدي غَرَسوا جِراحاتِهم

وقالوا: اعبُرْ بِنا اليَمَّ..

أثقَلوني بدمِ سينَ؛ بينما صَرخاتُ إنانا

مَسفوحةٌ بين أفخاذِ الذكورةِ

كانت عَصايَ بوصلةَ نَجاتِهم

والأنهارُ لَبِسَتْ حَــيْرَتي

انتبهتُ إلى قلبي يُلوّحُ للبحرِ

فَيَقِفُ البحرُ مُندهِشًا أمامي

أَشرَعُ بالغِناءِ:

دارْوِن لم يرَ أبعَدَ من نَظّارَتَيهِ

حين كانت سِياطُ ذَويهِ

تَسوقُ إفريقِيَّةَ والهنديَّ الأحمرَ إلى مَوائدِهِم

مَنَحوا السَّواحِلَ انتِظاراتِهِم والتَحَفوا الأمازون

عانَدوا الوقتَ فكانوا تَرتيلةً لمعابدِ مَردوخ

أنينُهُم يَنبُعُ في صدري

ويُمزّقُ سَطوَةَ الموجِ

في الأقاصِي حيثُ وحْدَتي تَتَجَوّلُ بلا رَقيبٍ

امتلأتْ يَدي بدُموعِ أُمّهاتٍ مُنتظراتٍ في وِديانِ الغَسَق

قادُوا الأمطارَ إلى جِبالِهِم

فاخْضَرَّتْ قُلوبُهم لِتُشاطرَ الفَقرَ

وآوَتِ البهجةَ إلى مَواقِدِهِم

ثَقَّبوا آذانَهُم فَمَرَّ الألَـمُ خَفيفًا

وزَيّنوا بالرِّيشِ أجسادَهُم

رأيتُ مَناديلَهم يَنسَكِبُ الصَّبرُ عليها

وتحتَ قُبَّعاتِهم نُبوءاتٌ لمدُنٍ تَنتظرُ خَريفًا

يَرِثُ البِلاد

زَرَعوا الأحلامَ قَناديلَ؛ دَليلاً لِطَـريقِ الحَــيْرَةِ

خَضَّبوا الشلالاتِ بعَقائدِهِم واغتَسَلوا بالنَّدم

الحُقولُ تَجرُّ ظِلالَها اليابِسَةَ إلى الينابيعِ

وأنا أعْبرُ مَلاذاتٍ خاويةً بنِسياناتِها

أُدَوِّنُ كَرجُلٍ يَخشى خِيانةَ ذاكرتِهِ

وتُحاصِرُهُ أَضواءٌ نَحيلةٌ تَختبئُ

في شُقوقٍ مَرسومَةٍ على الورَق

هَواؤهُمْ مَليءٌ بالذكرياتِ

ومُطَرّزٌ ببطولاتِ أسلافِهم

سَطَّروا تاريخَهم في البُحيراتِ، وخَضَّبوا الأشجارَ بعِشْقِهِم

وعلى الضِّفافِ تَرَكوا خَمرتَهُم تُنيرُ طُرُقاتِ الأُنوثَةِ

نادَمتُهم ليلاً فكانَ الرِّقصُ يَستغيثُ بالنهار

وكؤوسُهم تَتَلَمَّسُ طَريقَها إلى أحضانِ الصبايا

أَفْرَغْتُ هُمومي في سُلافَتِها

والحاناتُ تَفتَرِشُ خَرائطَ الأصابِعِ

يَعزِفونَ ما تَيَسَّرَ من دُيونِهِم

ويَرسِمونَ الأزقَّةَ في الجيوبِ

مُدمِنوها يَسْـطُونَ على خُطُواتي

كنتُ أمسَحُ عن النايِ غُربَتَهُ وأَلْتَقِطُ صورةً للذكرى،

 أَضَعُ الذكرى في مُتحَفِ المدينةِ

وأَنسَلُّ عَـبْرَ أصواتِ الباعَةِ بلا مِجذاف

حَمَّلوا قواربَهُم قيتشْوا وَنِبالاً

والذَّهَبُ ألبَسوا بهِ قُلوبَهُم

هَتَفوا للرياحِ أن تُمَوسِقَ سَعَفَ النخيل

تقاسَموا المجهولَ عند أبوابِ كيتو

وَفَتَحوا بساتينَ آلامِهم للغريبِ

أثقَلوا أسرارَهم بالأساطيرِ وشَيَّدوا قُصورًا من الكاهِناتِ، 

وفي الرِّقابِ رؤوسُ الأعداءِ يُرْهِبونَ بها الخوفَ

بَلّلوا المطَرَ برقْصاتِهم وذكرياتي بالنشيد

ثم قادوا “بنَاتِ نعشٍ” إلى السَّرير

وفَكّوا أَسْــرَ نجمةِ الصَّباحِ بجُرعَةِ تشيتشا


الكنياريّونَ أثنية أصيلة في الأكوادور، كانت أمومية وحين غزا الإنكا في القرن الخامس عشر الميلادي الأكوادور تحوّل المجتمع إلى الذكورة.

الكوندور: الطائر الوطني للأكوادور.

دارون: العالم الشهير صاحب نظرية التطور والارتقاء.

قيتشوا: لغة أصلية في الأكوادور.

كيتو: عاصمة الأكوادور.

تشيتشا: المشروب الكحولي الشعبي في الإكوادور.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.