التمييز منصوب

التمييز منصوب

اللوحة: الفنان الصيني زهي يونغ جينغ

دعاء صابر

أبيض وأسود، هذه هي الحياة

الأشياء إما سوداء أو بيضاء، أنت تشرب القهوة، إما أن تكون سوداء كالأبالسة، وإما أن تغلب عليها الكريمة فتصبح بيضاء كالسحاب.. كذلك أنت، إما أن تكون أبيض وإما أسود، وهذا ليس تمييزا. 

لا يوجد حقيقة أي تفاوتٌ بيننا، فعلى سبيل المثال مستر ونستون جاري أسود، بينما مستر كادل جاري الآخر أبيض، وها أنا أودّ كليهما بنفس المقدار، كل ما في الأمر أن مستر ونستون بيته يقبع بجانب بيتي، أما مستر كادل فبيته أمامي في حارة موازية للبيوت البيضاء.

مجددا ذلك ليس تمييزا، إنه فقط القانون: “لا يمكن أن يقبع بيت أبيض بجانب بيت أسود”، ذلك لأن ما بينهما في تلك الحالة يصبح بين الأبيض والأسود!، لذلك لا بد من اختيار لون كي تكون لك هوية، أبيض أو أسود لن تختلف الأمور أبدا، أؤكد لك ذلك.

كانت الحياة على ما يرام إلى أن حدث فجأة شيء عجيب، لقد جاء مستر هاري يوما – وهو أسود – فنزل من سيارته لنجده قد علق ورقة على ملابسه مكتوب عليها “أبيض”! لم يطق أحد الأمر؛ لذا توجهنا جميعا نحو مركز الشرطة حيث وجهنا له اتهاما واضحا بإهانته لنا باتخاذه تلك الشارة التي ينكر فيها هويته! حضر مستر هاري أمام الضابط الأبيض الذي قام فحياه باحترام وطلب منه الجلوس بينما نحن واقفين، بعد القهوة والدردشة تم إلغاء دعوتنا التي جئنا من أجلها، وبينما مستر هاري يصافح المأمور ويهم بالمغادرة التفت لنا وقال: سأتسامح معكم هذه المرة، لكن في المرة القادمة سأتهمكم بالتمييز اللوني! 

أي تمييز هذا! إن الرجل يخدعنا جميعا، إنه أسود بينما يدعي بكل فظاظة أنه أبيض! 

على مدار الأيام ازداد حنقنا نحو “مستر هاري الأبيض” كما أصبحوا يدعونه بعدما انتقل للحارة البيضاء، في يوم من الأيام سبّ مستر هاري أحد السكان السود، تطورت الأمور من مشادة كلامية إلى صراعٍ بالأيدي انتهى بإصابة مستر هاري “الأبيض” في المحكمة تم توجيه عدة تهم للفاعل، ضمن تلك التهم “معاداة البيضية”! 

اجتمعنا في بيت أحدنا، كان الاجتماع يضم – ولأول مرة – السود فقط، أقسم لك أن تلك كانت المرة الأولى التي نميز فيها لونا عن الآخر! حاولنا التوصل إلى حلٍ ولو مؤقت لتبرئة زميلنا من التهم المنسوبة إليه والتي ستقوده حتما إلى الإعدام في مجتمع يجرم التمييز! بعد نقاشٍ طويل توصلنا إلى حلٍ وحيد، إعلان اعتناق اللون الأبيض، ففي هذه الحالة كيف لرجل أبيض أن يعادي البيضية؟ 

دخلنا إلى قاعة المحكمة في مجموعة، كنا جميعا نضع على صدورنا ورقة مكتوب فوقها “أبيض” اقتربنا من زميلنا في القفص ولصقنا على صدره ورقة هو الآخر، في تلك اللحظة تم إسقاط التهمة بسبب “عدم دقة الأدلة” 

في ليلة السبت التالية كنا مجتمعين معا للاحتفال في منزل صديقنا بعدما انتقلنا جميعا للعيش في الحارة البيضاء بحكم كوننا بيض، كنا نشرب الجعة ونضحك على سذاجة البيض التي جعلت من مجرد ورقة على صدورنا حجة واقعة، عندما نظر أحدهم فجأة إلى صديق لنا وضيق عينيه وقال بحدة: أنت! أنت أسود! نظر الجميع نحو صديقنا الذي لم يكن يضع اللافتة البيضاء على صدره، عندها سكتت أصوات الضحك وأفاق الجميع من ثمالتهم.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.