هيام علي الجاويش
اللوحة: الفنانة المصرية مادونا ناجي
صديقي:
أراك صديقي تسأل لماذا لا تتحدثين عنه؟ سأتحدث الآن عنه وسترى أنه يفضي إليها، كان رجلاً.نعم رجلاً ومكتمل الصفات، أنيقاً ومتعلماً شهماً, صاحب مروءة, ناجحاً بعمله, يحبه زملاؤه, الجميع يتقربون منه. الناس لها مصالح عنده, وليس لديه مصلحة عند أحد، فهو يخدم الجميع لا لشيء إلاّ لمرضاتهم ومرضاة الله، كلّ هذا وغيره كان هذا الرجل، على الأقل بنظرها وكانت تشعر بالحبور لاقترانها به, وتُسّر كلما أثنى عليه أحد, وهكذا على هذا الحال، ومن صعودٍ إلى صعود. ولكن طرأ شيء على هذا الرجل، شيء لم تدركه ولم تتحدث عنه مما زاده تجاهلاًوشيئاً فشيئاً تسربت نظراتها إليه وكانت حارقة، قرر المواجهة فهو رجل، الأزمات, ولم يعتد أن يدير ظهره لمشكلة عدا عن ذلك هو لم يتدخل في مشكلة إلاّ وحلها، فهل يعقل أن يكون عاجزاً عن حلّ مشكلة تخصه؟ وربّما كان حلها أبسط مما يتصور، مشكلته بسيطة أمام المشاكل الأخرى التي قام بحلها، فمشكلته تحتاج فقط لشجاعة, وقدرة على المواجهة، وهو أهلٌ لمثل هذه الأمور كما هو أهل لأمور أكبر منها، ما الذي ينقصه إذاً؟ الفرصة نعم الفرصة هي التي تنقصه, الجو المناسب، فقط لا ينقصه إلاّ فسحة من الزمن تكون ملائمة، إذاً عليه أن ينتظر ويراقب ويتّحين اقتناص تلك الفرصة.أخيراً سنحت الفرصة أو اسنحها, لا يهم. المهم الرياح مواتيه, عليه أن يقول كلَّ شيء, أن يباشرها قبل أن تباشره. فهي لن تسكت طويلاً, عدا عن نظراتها التي لم يعد يحتملها. عاجلها بالكلام قائلاً: هناك أمورٍ أنت لا تعرفينها، هي ليست بذات أهمية, ولكنك تعلمين أنني لا أستطيع أن أخفي عنك شيئاً، سأختصر القول: هناك الكثيرات, الكثيرات حولي, أنا لا أدّعي بأنني أملك حُسن يوسف, لكن هن الكثيرات التي يرتمين بأحضان أيُّ رجل مهما كان ومهما وضعت مكانته، ولكن، ربّما وصلك أو قد يصلك أي نبأ عني, لهذا أجزم وأُأكدَّ لك بأنني لم اقترب من أية واحدة.
هن يتحرشنّ بي، لكنني لم ألاطف أو أجامل أو أسامر أو حتى أعجب بأية واحدة، وإذا تكلمنّ عني فلأنهنّ لم ينلنّ مني، وإذا تكلموا عني فلأنني لم أصبح واحداً منهم، فأنا لا ألهث وراء الفُتات الكل يريد أن ينال مني, ولا يستطيعون النيل مني إلاّ من خلالك أنتِ، أنت المستهدفة لأنك نقطة ضعفي، وبزرع الشقاق بيني وبينك يصلون إلى هدفهم، لذلك انتبهي، احترسي، ولا تصغي. وبتجربتها وحبها, بحكمتها وبنظرها الثاقب, بحدثها وإحساسها، أيقنت بما لا يقبل الشك، بأنه قال الحقيقة عندما قال أنه لم يعطَ حسن يوسف ولكنه أغفل بأنه لم يعطَ عفة يوسف. وأدركت بأن قميصه قد قُدّ، ولكن وبمّا لا يقبل الشك أيضاً أن قميصه قد قُدّ من قُبُل!
وفاء
صديقي:
عندما تراها تظن أن ابن زيدون لم يقل شعره إلاّ بها, إنها هيفاء، تسأل إن كان هذا هو اسمها؟ أجيبك، لا.. هيفاء هي إحدى صفاتها الكثيرة فإضافة إلى هيفاء, هي حوراء ولمياء ونجلاء وشيماء وتيماء وحسناء وميساء, وهي أيضاً مرح وفرح وغادة وزهرة وبتول وكوكب وسرور. زد على ذلك فهي رهف وأنعام وروضة وفاتنة وجميلة وحكيمة وياسمينة وسكينة وأميرة ومنيرة بالإضافة إلى كونها سعيدة وآمنة، وإن كانت لها كل تلك الأسماء. هذا لا يعني إننا نبخسه حقّه فهو أيضاً ينطبق عليه قول المتنبي عن نفسه، رجل للخيل ولليل وللقرطاس والرمح، إلى ما هنالك، وهو حسام ومهند وورد وليث وغضنفر ووسيم ووضاح وجميل وحكيم وراشد وباسل وصالح ونور وأمير ومضر وعزيز وبدر وهلال
ولا ننسى منير وغيث وضياء وسالم وباسم وغانم ونسيم بالإضافة إلى كونه سعيد، إلاّ أنه وبكل صفاته وبكل صفاتها راح يبحث عن غانية أو ظبية أو ربمّا أيل أو مها.
هو يقول: هي لم تقصر لا, لا سمح الله، لكنه يريد انثى تملك صفة واحدة، انثى تشعره بأنه رجل, انثى تشتعل وتشعله، لا يريد انثى تكون له أما كما لبقية أطفاله، إنه يبحث عن شغف وهيام وغزل وروعة تغني حياته وسماح وسلام إن ارتكب المعاصي. أمّا هي فتقول: العز لناس وناس, أنا من أوصله إلى هنا، كبر حجمه وخفّ وزنه, على قول علماء الفيزياء، أصبحت كثافته أقل من كثافة الهواء, فهو على ارتفاع دوماً، وضعت المنفاخ في مؤخرته ونسيت أن انزعه, وبات يعلو ويعلو، لم يعد يرانا وأنا لا أحب النظر إلى أعلى, أخشى من انقراص الفقرات، ولا أحب النظر إلى الأرض, أحب أن أنظر إلى من هم بموازاتي أو أعلى بقليل.
وقع الشقاق والصفة التي كانت نعمة قريبة تحولت إلى نجمة بعيدة، كلاهما يتحدث وكلاهما يبرز ما عنده من اسباب وكلّ واضع يده على سلاحه, لكن أين الأولاد من كل ما يحدث وما مصيرهم؟ لكنه وبكل تصميم أصم أذنيه وأدار لها ظهره، وهي بكل ثقة وعناد غادرته، معللّة، إن كان يبحث عن رضاب ووئام, فمن حقي أن ابحث عن أنيس وخليل!
لكن صديقي، ألم ترى معي أنه من الأسماء السابقة لم نجد اسماً لوفاء أو لإخلاص ولا حتى مرادفاً لهما؟ صديقي، القلعة التي كانت عصية على الاقتراب والتصوير باتت مباحة من دون أسوار أو حراس، ولم يقتصر الأمر على الاقتراب والتصوير بل باتت شغل الذي لا شغل له ويريد أن يملئ وقته, يعبثون بمحتوياتها ويبدلون بمواقع أثاثها, ويتنزهون بفنائها ويسعدون بأن قلاعهم ما زالت صامدة، لكن قلاعهم حقاً صامدة وإلى متى؟ سأقول لهم: لا تطمئنوا كثيراً ولا تحاولوا أخذ العبرة من تجربة هذه القلعة، فالرياح التي ربمّا تقتلع قلاعكم قد تكون عكس الرياح التي اقتلعت تلك القلعة.