اللوحة: الفنان الهندي إيلياراجا

• أنا لا أكبر

كلّ سنواتي السّتين أنا لم أكبر.. أحلامي طفلةٌ تطير عبر الحقول وتفتش في البساتين عن فراشاتٍ وطيورٍ تحاكيها؛ أفيقُ فزعةً من منامي لأن فراشتي طارت، وإن عصفوراً أبى الصمود في القفص.. عندي أربعُ دجاجاتٍ وديكٌ واحد، لا يأكلُ ما أرميه لهنّ أبداً؛ بل يبقى ينقر وينقر إلى أن ينتهي الحبّ.. لعبتي تأبى التغميض حين النوم، فآتي بورقةٍ سوداء ألصقها على عينيها حينما يحين موعد نومي، وأحضنها وهي تسمع مني نشيد النوم. 

خارج حدود الدار، وفِي مكان لا يعرفه أحد، حدّدتُ دائرةً كبيرة من التراب بعصا، ورسمتُ غرفةَ نومٍ ومطبخ؛ فأثثتها.. كلّ يومٍ أسرقُ من ثلاجتنا ما لذّ وطاب، وأطبخ.. عندي أولاد صغار، أدللهم ولا أضربهم أبداً، فيطيعونني لأني خبيرةً بتلاوة الصلوات عليهم وأناشيد الحب والحنان. 

ألبسُ العباءة، وأتجول في الحارة فأزور أم عباس جارتي، والتي اقترحت عليّ اسم أم عبد الله، طلبتُ من أبي عبد الله أن يربط لي أرجوحة بين شجرتي النارج؛ فكان شقياً جداً وبارعاً في سرقةِ حبل الغسيل من السطح. 

طرتُ وطرت وهو يمرجحني؛ فإذا بي أسقطُ أرضاً وأنفجرُ بالبكاء، ولكنه تدارك الموقف فقال لي: كل طبّة شبّة.. بقيتُ عمري كله طبات في طبات، وبدون شبّات

لهذا انتبهت أني لم أكبر، ولا أكبر!

• أنا وإياك

مشينا ذلك الدرب الطويل، أنا وإياك، مسحتُ عرقك، وحملتُ همك، دسستَ في فمي لقيمات، سددتَ جوعي، ورتقتَ جرحي؛ فقضيتَ على وجعي، حملتُكَ يوم كُنتَ تتأوه، ويومَ كُنتَ طفلاً، وعندما اشتد عودك رجعتَ تمشط شعري، وتمسّده.

أنا وإياك، عبرنا النهر غوصاً، علّنا نعثرُ على لؤلؤةٍ نبيعها؛ فتغنينا؛ فأبيتَ إلا أن تعلقها قلادةً على صدري، وكنت تقبّلها بين الحين والحين؛ فيشعُّ الحنين من قلبي.

أنا وإياك، كنّا مثلاً للتضحيات ورمزاً للوفاء. فذاع صيتُنا، وبلغ عنان السماء، رقصتْ لنا الملائكة، وغنتْ لنا النجوم.

أنا وإياك، نادانا ملكُ تلك الديار، بعدما سمع منّا العجب العجاب، فأهداني قلادةً من ألماس، وأهداكَ حوريةً من نار فخنتني؛ ومن يومها ضاع الوفاء.. ألبستُ القلادةَ حوريتك وانتحرتْ.. أنا وإياك كنّا حلماً طويلاً لم يكتمل!

• قصة