نسق التفاهة (التحشيش) في الهايكو العربي

نسق التفاهة (التحشيش) في الهايكو العربي

اللوحة: الفنان الياباني أكيرا كوساكا

انتشرت منذ بداية ظهور الهايكو العربي قبل أكثر من عقد، ظاهرة النصوص الرديئة وهي لا تمت بصلة إلى الهايكو سوى أنها اخذت الشكل الثلاثي. وهذا لا ينفي وجود نصوص هايكو عربية جيدة لكنها قليلة جدا. نصوص محملة بالطاقة السلبية، هذه النصوص تعتمد على مراقبة الناس والتطفل على حياتهم الشخصية من خلال التقاط مشاهد حسية وقد يجنح دعاة الهايكو احيانا إلى استخدام خيالهم وعكس تجاربهم في النيل من الآخرين مثل كبار السن أو الذين لديهم عاهات جسدية أو مشاكل اجتماعية. في الحقيقة لا يمكن تصنيف هذه النصوص على أنها هايكو أو سينريو بالرغم من استخدامها تقنية المفارقة أو التجاور – كغطاء جمالي – لجلب انتباه المتلقي.

وهي في الواقع جزء من نظام التفاهة الذي نعيشه الآن، حيث اعتمدت على نسق اللغة البلاغي والصوري (المشهدي) في صنع هذا التحشيش. ولهذه التفاهة باسم الهايكو نظامها في مواقع التواصل الاجتماعي والنشر الإلكتروني والورقي وابطالها من كتاب الهايكو، حيث تقام الندوات والمهرجانات وتطبع الكتب وتتحرك حركة الإنتاج. ساهمت عدة عوامل في انتشار نظام التفاهة (التحشيش) في الهايكو العربي، يمكن ايجازها بما يلي:

١-ظاهرة الحسد الاجتماعي والاقتصادي والتي حذر منها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.

٢-التطور العلمي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ساهم إلى حد كبير في مراقبة الناس بعضهم لبعض والتطفل على حياتهم الشخصية والعامة بعدما كانت الدولة هي المراقب الأكبر للمجتمع.

٣-نظام التفاهة الذي يحيط بالإنسان المعاصر تجعل التافه أكثر شهرة بسبب آليات النظام الرأسمالي الامبريالي الذي هدفه الأساسي الأرباح المادية وتشمل كل جوانب الحياة وليس جنس الهايكو فقط.

٤-ازدواجية كتاب هذه النصوص بين الظاهر والباطن بين التطفل على حياة الآخرين واخفاء سيرهم الذاتية إذ نجد عشرات المجاميع الشعرية ولا يوجد فيها ما يشير إلى التقاطات مشهدية لحياتهم اليومية كشعراء هايكو.

٥-فقر وخواء التجربة الحياتية لهؤلاء الكتاب بالرغم من امتلاك بعضهم تقنيات الكتابة في الهايكو وبالتالي لا يوجد ما يمكن نقله للمتلقي من مشهديات وصور غنية وفريدة واغلب ما يكتب يقع تحت دائرة التجريب والتلاص والنسخ والتكرار.

٦-ارفاق صور لحسناوات أو صور لكتاب هذه النصوص ومن الجنسين لأثارة القارئ والتأثير عليه. ويجب التمييز بين ما ينشر من هذه الصور وما ينشر تحت عنوان “الهايغا”. فالهايغا تداخل جمالي بين اللوحة التشكيلية وقصيدة الهايكو. 

هذه النقاط ساهمت في ديمومة وانتشار ظاهرة شاعر الهايكو غير المثقف واللاواعي لهذا الجنس الشعري الجميل. اذ اخذ من الهايكو شكلانيته دون التعمق في جوهره وبعده الجمالي والوجودي والإنساني. وبقي الهايكو العربي يراوح في مكانه دون اية إضافة نوعية للشعرية العربية إلا فيما ندر.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.