اللوحة: الفنان الفرنسي إدوارد جيلهاي
ترجمة صالح الرزوق

كنت أمر من البوابات المنصوبة في محطة قطار غرايفسيند، حينما قالت لي امرأة في البوابة التالية: “آه يا إلهي، إلى أين أنت ذاهبة؟ أرى أن معك شيئا هاما؟”.
في هذه اللحظة كنت في الصفحة 15 من رواية “الشيطان ذو الرأس النحاسي” لباربارا كينغزولفير، ومتأخرة عن الحفلة، ودون أي رأي واضح بعد، وفي وسط لقاء عشوائي، لذلك قلت لها: “نعم. أحببته”.
مع ذلك تخبطنا هناك طويلا، لأن البوابات فتحت وأغلقت، وتوجب علينا الاستعانة بخدمات موظف القطار. وتبين أنه قرأ الرواية أيضا، وأحبها فعلا، وهو ما خفف من التحسس الناجم عن اثنتين حمقاوين لا تعرفان طريقة مناسبة للمغادرة من المحطة.
وحينما أصبحت في الشارع، وأنا أحمل الرواية بيدي، توقفت امرأة أخرى لتقول إنها أعجبت بها. واستغلت تلك اللحظة لتخبرني أنها معجبة بمعطفي أيضا. في قطار آخر، قالت لي امرأة، تجلس في مقعد مجاور، إنها لم تقرأ الرواية، ولكن كل زميلاتها شجعوها على ذلك، ولم تكن إلا بحاجة لمسافرة غريبة لتنهي هذا الترشيح وتصادق عليه.
وتبادلنا الحديث، لفترة وجيزة سمحت بها المسافة بين محطتين، لنتكلم عن الدواعي الدقيقة التي تدفعنا لمقاومة قراءة عمل يقرأه الآخرون جميعا، حتى لو كنا واثقين من أحكامهم. هل بسبب عدوى الحماس المحتمل الذي ينتقل من شخص لآخر؟. هل هو الخوف من أن نكون مضطرين للإعجاب بالعمل وإلا أصبحنا خارج الإطار؟. هل لأننا نحاول أن نكون نسيج وحدنا، ولم نقرأ هذا “الشيء”؟. وبالنتيجة أخبرتها أن تتوقف عن هذا التضليل النفسي وتقرأ الرواية.
ولكن كان يبدو أنها لا تزال عند الحد الفاصل، ولذلك رويت لها حكاية صديق زوجي، الذي أعجب بالرواية كثيرا، لدرجة أغرته بالاستماع للكتاب الصوتي الذي يقف شبحه وراءها، وهو رواية “دافيد كوبر فيلد”، ليرى أيهما أفضل. وفي النهاية شعر بالسخط الشديد، وضرب رأسه بباب الخزانة التي يعمل على طلائها.
الحكمة التي نستخلصها من كل ذلك: إذا انشغل الجميع بقراءة كتاب، عليك أيضا أن تقرأه، عوضا عن الانتظار لعام قبل الاستسلام لما لا مفر منه. وإذا كنت لا تحب المصادفات العشوائية، يستحسن أن تغلفه بورق غير شفاف.
عن الغارديان 24/10/2023

زو وليامز Zoe Williams صحافية بريطانية يسارية، مواليد ١٩٧٣. كاتبة عمود في صحيفة الغارديان. رشحت لجائزة أورويل عام 2012.