اللوحة: الفنان الدنماركي بيتر فيلهلم إيلستيد
محمد محمود غدية

كلمات متسكعة على سطور غير مستقيمة، تشبه سواد الكحل في العيون، تساقطت سنوات عمرها مثل أوراق خريف ذابل، ذاكرتها هرمة موبوءة بالصدأ تارة، ومثقوبة بأضغاث أحلام تارة أخرى.
الحزن يتمدد كشجر اللبلاب، تنتحب في صمت، دموعها تستعصي على النزول، تعتصرها الوحدة كل ليلة انتظارا لغائب لا يعود، صرير الأبواب الموصدة وزخات المطر المؤلمة يؤلفان سيمفونية تنذر بالنهاية، تحاول جاهدة الإمساك بالحكايات التي عشقتها يوما وخبأتها في دفاتر الحلم البعيد، هل يمكن للحكايات أن تتحول بفعل الزمن إلى أطياف وخيالات، بردت أطرافها وارتعشت حين هاجمتها عتمة الفراغ الموحش، والسكون المطبق ورطوبة الجدران، تلوذ بالكتابة وتغمس القلم في دواة نزف القلب الصغير الذي أصابه العطب، ترتحل بعيدا فتصطدم بشتاءات لا تنتهي، رهيفة الملامح كالصبح دون أصباغ، كأنها قادمة من أفلام الزمن الجميل، شعرها ناعم ينعس فيه الليل، تنحني الأشجار والأزهار أمام خضرة روحها وطراوتها، هل يمكن للعصافير أن تتقافز من جديد وتنقر زجاج نافذتها، وتعيد ترتيب الفصول، وهل يمكن لآلاف النجمات التي تساقطت من قبة سمائها جثث آفلة، أن تعود لسيرتها الأولى في نشر الألفة والضياء؟
طوحت بالقلم بعيدا وحزمت أوراق الوجع، وأغلقت حقائب الشجن، حين أبصرت الصبح من شيش شباكها ورأت العصفور ينقر زجاج النافذة، على الإنسان أن يكون رحيما مع نفسه، وينفض الألم، ليست الوحيدة التي فشلت في الحب ولن تكون الأخيرة، تنتعش قصص الهجر ولوعة الأغاني والأفلام على أطلال الحب، التي تدفع لدغدغة المشاعر وذرف الدموع، كل ليل إلى رحيل، بعده يأتي الصباح الذي يدخل من الأبواب والنوافذ، حاملا أنفاسه العطرة لتبدأ دورة الحياة والوجود من جديد، نفحة من رائحة الورد والياسمين تملأ حجرتها، كم تبدو جميلة وهي تستفيق من غشاوة الرؤى وتدور حول نفسها كراقصة للباليه في بحيرة البجع.