د. خالد عزب

صدر عن دار ذات السلاسل في الكويت رواية بديعة للروائي الكويتي فيصل عادل الوزان، الرواية تستدعي أحداثا وقعت علي أرض الكويت، الرواية تنطلق من اعادة اكتشاف تاريخ الكويت الممتد عبر أزمان سحيقة، هذا ما يغير الأفكار السائدة حول تاريخ الكويت، الراوي ينطلق من اهتمام علماء الاثار في الكويت بإعادة رسم خارطة الكويت التاريخية من خلال الاكتشافات الاثرية التي يقومون بها، في ظل محاولات حثيثة منهم لإنقاذ عدد من المواقع من الزحف العمراني، هذا الشق من الرواية هو الشق الذي خارج الخيال الادبي واعادة بناء الاحداث من المصادر التاريخية ودواوين الشعر العربي.
اهم ما تقدمه الرواية هو بعث روح الاهتمام بتاريخ الكويت عبر تاريخ كاظمة وهو الاسم القديم لها، وتتحدث عن اهمال الأجيال الجديدة للتاريخ الوطني، هذه ظاهرة عربية وليست كويتية فقط، كما أن اهمال كتابة التاريخ في ضوء المكتشفات الأثرية ظاهرة عربية أيضا، ففي العراق جري اهمال اضافة العديد من المكتشفات ونتائجها إلي الكتب التي تتناول تاريخ العراق، كما هذا أيضا الوضع في مصر حيث هناك اهمال لإضافة نتائج الحفائر الأثرية عند كتابة تاريخ مصر القديمة، يقدم لنا الراوي فريق أثري يعمل في موقع كاظمة القديم، ليسرد مواصفات الموقع الذي يعملون فيه، والذين عثروا فيه علي جرة فخارية بها مخطوط يروي تاريخ كاظمة يجري نقل الجرة سريعا إلي متحف الكويت الوطني حيث معامل الترميم الحديثة، وهناك يستخرج المخطوط من الحرة وينطلق منه الراوي في سرد أحداث تاريخ كاظمة عبر التاريخ، لكن هذا المخطوط يسرق من خزانة المتحف، وهو ما يستدعي حضور الشرطة إلي المتحف، ليتركنا الراوي في حيرة من سرق هذا المخطوط.
تدور الرواية في جون الكويت الشمالي في شهر يناير 2020، ومنه نري الراوي يستدعي مقولات المؤرخين عن كاظمة، مثل ذكره ما قاله الحسن الأصفهاني في كتاب (بلاد العرب) حيث يذكر: (.. كاظمة علي ساحل البحر، حصن فيه سلاح أعد للعدو، ودور مبنية، وعامتهم تميم..) كما يذكر ما قاله ياقوت الحموي: (كاظمة: جون علي سيف البحر في طريق من البصرة، بينها وبين البصرة مرحلتان، وفيها ركايا كثيرة، وماؤها شروب، واستسقاؤها ظاهر، وقد أكثر الشعراء من ذكرها)، لينتقل بنا إلي الرواية عبر أحداث تجري في أرض الكويت خلال العصر العباسي في خضم الحرب القرمطية العباسية ن حيث يشرع الشاب وهيب في جمع أخبار أهالي كاظمة وفيلكا وبطن فلج والعدوان وتدوين قصصهم التي ترجع إلي الأزمنة الإسلامية والجاهلية والهلينستية والدلمونية، ليتسائل الراوي هل ينجح في إتمام مهمته؟
الراوي جعله ينجح في مهمته فجعل المخطوط الذي سرق من المتحف يتحدث بهذا التاريخ، منطلقا من حركة القوافل علي أرض كاظمة، وهجرة بعض العرب لها إثر حروب في شرق الجزيرة العربية، هذا يقودنا عبر تسلسل الأحداث إلي دور كاظمة كرابطة بين العراق شمالا والشام إلي شرق الجزيرة العربية، لنري وصفا للخان بها كمحطة لاستراحة القوافل ومكان استضافة أيضا، كاشفا عن الخلق الرفيع لأهل كاظمة في استيعاب الفارين لها بلا مأوي، كذلك مهارة أهل كاظمة في التجارة، بل إننا نري شعراء كاظمة عبر صفحات النص، لدرجة يمكن معها تقديم معلومات جديدة علي علاقة هؤلاء الشعراء كالفرزدق بكاظمة، وليغزل من المكتشفات الأثرية في جزيرة فيلكا بابا في الرواية وعلاقتها بحضارة دلمون في البحرين، بل هذا يقودنا بعلاقة كاظمة بالتجارة عبر البحر واستخراج اللؤلؤ، إن أكثر ما يدهش القارئ هو التحليل الدقيق الذي ساقه الراوي لاندثار كاظمة وتحولها لتلال، فقد كانت الحروب بين الجنابيين وبني عامر وبني كلب وبني الأضبط في كاظمة وما حولها، شعر التميميون والبكريون بضيق، فقد باتوا بين مطرقة العباسيين وسندان الجنابيين، تناقص عدد القوافل المارة بكاظمة، بدأ الناس يفكرون مليا في هجر كاظمة إلي الساحل الفارسي في الضفة الشرقية من الخليج العربي، حيث التجارة المنتعشة، أو إلي نجد أو عمان، حيث الهدوء التام، اقتنع أهل كاظمة بالفكرة بعد مرور وقت دون تحسن في الأحوال، باع كثيرون بيوتهم بأثمان بخسة، ورحلوا مع ما تبقي من أموالهم.
كما تذكر الرواية أن القلق تسلل إلي أهالي جزيرة فيلكا من امتداد نار الحرب إليهم، مع بدأ الكساد التجاري يمتد إلي فيلكا، بعد أن منع العباسيين تجارتهم من التوقف والمتاجرة مع جميع موانئ الساحل البحريني، مشجعين اياهم علي التجارة مع الساحل الفارسي، فهم اهتموا بميناء سيراف، وجعلوه أكبر ميناء علي الإطلاق.
يذكر الراوي انه مرت سنوات قاسي خلالها أهالي فيلكا وكاظمة وما حولها من العزلة وانكماش التجارة، أفلس كثيرون وباعوا ما يمتلكون، بدأ الفقر ينتشر، ويعيش الناس على الكفاف، بدأ سكان كاظمة وفيلكا في الهجرة لكن تذكر الرواية محاولات الصمود والبقاء في ظل ظروف صعبة، هذه الصفة الصمود والبقاء ظلا من صفات أهل الكويت إلي اليوم.