طاهر العتباني
اللوحة: الفنان الفلسطيني يوسف كتلو
الأرضُ تعرفُنا، وتعرفُنا البيادرْ
لا، لن نغادرْ
ودماؤنا فوقَ الطريق جراحُ ثائرْ
رفض المذلَّةَ…
والتقى بالموت في كلِّ المعابرْ
رسمت فلسطينٌ على دمِنا حكايتها
وأرَّخت المنابرْ
فلتكتبوا في كلِّ فجٍّ من فجاج الأرضِ:
أن الحقَّ قادرْ
ولتسمعوا صوتَ الفلسطينيِّ…
يلتحف المقابِرْ
ويزفُّ للتاريخ أغنيةَ الصمودِ…
ووقْعَ تحقيق البشائرْ
هي غنوةٌ للموت…
تصدحُ في السنابل والضمائرْ
وحكايةٌ في شاطئ البارود…
يرسُمها المثابرْ
قفزت لميلادٍ جديدٍ فوق غَزَّةَ…
واستحثَّت كلَّ صابِرْ
هي غنوةٌ للموتِ طائرها سيعبرُ
فوق أشلاءِ الحكايا…
أو يهاجِرْ
في أُفْقهِ لغةٌ من الزيتونِ…
والرمَّانِ…
والوعدِ المسافِرْ
هي غنوةٌ للموتِ…
تكتبُ في الحشايَا موعداً للفتحِ
ترسمنا على كل المصائِرْ
من أين تبدأُ…؟
كل شطآنِ الحروف تروغُ…
من عين المجاهدِ
ترسم الأقمارَ في حدَقِ المهاجِرْ
وتلمُّ أشلاء الصبيّةِ…
تجمع الكلماتِ حول البيتِ…
في لعبٍ مغامِرْ
من أين تبدأُ…؟
ذاك جرحُ الطفل يَسري في الهشيمِ
فيحتوي كلَّ الجراحِ…
ويلثمُ الشهداءَ في كل المناظِرْ
هي شاشةُ التلفاز ما بيني وبينكَ…
والمسافاتُ التي اتسعتْ…
تقرِّبها المشاعِرْ
من أين تبدأُ…؟
جرحيَ اتسعتْ مرافئهُ…
وأوغلَتِ الشظايا…
في انحناءات الستائِرْ
بيتي وطفلي… والأبُ المعتادُ…
أن يحكيْ لنا قصصَ الضحايا
من قديمٍ…
ترسم الدمعاتُ في عينيه إصراراً
يسافرُ في الحروفِ…
وموعداً تحكيه آلافُ الدفاتِرْ
هو يحفظُ التاريخ في كلِّ البقاعِ…
وليس يَنسى أيَّ وجهٍ…
كان غادَرْ
فهناك خالتهُ التي نزفت.. وطفلتُها هنا
في غابةِ الزيتونِ…
يُرهقها الحصار وكفُّ غادِرْ
وهنا على أرضِ الجليلِ…
يلفُّ معطفه على وجعِ السرائِرْ
من أين تبدأُ…؟
هل لوجهِ القدس ترسمُ معطفَ الكلماتِ…؟
تنقش صورةً في لوحةِ الجدرانِ…
تعرفُها الأضابِرْ
أم تحتوي ساحاتهِ عيناكَ…
ترنو من بعيدٍ للمصلين الأُلى…
رفعوا الأكفَّ لكل ناظرْ
من أين تبدأُ…؟
لوحةُ التاريخ تذكرُ…
جلسةَ الفاروقِ في باحاتها
يهبُ الدُّنى أسمى الشعائِرْ
ويعاود التاريخُ قصته…
فيحكي عن صلاحِ الدينِ…
مكنوناتِ شرعةِ (أحمدٍ)…
والليلُ حائِرْ
هي غزةٌ للمرةِ المليونِ…
تذكرها حكاياتٌ على الشاشاتِ…
داميةً…
وتقتلُها الأظافِرْ
لكنها تصحو على وقعِ النشيد الحرِّ
في إبحارِ شاطئها المغامِرْ
لن يقتلوا فيها المآذنَ…
إذ ترجِّعُ شدوَها في كل عابِرْ
لن يقتلوا فيها الصمودَ…
ولن تغادرها البيادرْ
هذا الصمودُ حكايةٌ أخرى…
وقد سكبته من دمِها…
فِلَسطينُ التي كبرتْ على وقعِ المجازرْ
هو يشعل النيران في الخوفِ المكبِّلِ
يوقظ الشهداءَ تصعدُ في خلايانا
وترحل في دوائرِ صمتِنا هذي الحناجرْ
هي غزةٌ للمرةِ المليونِ…
سوفَ تخيفكُم.. في ليلِها هذِي المنائرْ
وتعطِّرُ الأطفال عند صعودِهم زُمَراً…
وتحتضنُ الحرائِرْ
هي غزةٌ…
لكنها وهجٌ تقدَّسَ بالدماءِ…
فأيقظ الإعصارَ في كل البصائِرْ
لغةٌ فلسطينيةٌ تحدو الخطى
لتنيرَ في درب المآثِرْ
هي غزةٌ…
لكنها إن أوجعت سربَ اللصوصِ…
فما استخفَّتْ بالوشائجِ…
في الحنايا والضمائِرْ
هي شاطئٌ يثبُ الفضاءُ إليهِ…
في دأَبٍ…
وفي أشواقه زمرُ الأزاهِرْ
هي خنجرٌ في صدرِ من جثموا
على وجه الحقيقةِ…
واستخفُّوا بالكبائِرْ
هي وجه أمي حين ترقبُ
عرسَ طفلتها
فتختطفُ الشظايا الوَجْهَ
واليدَ والضفائِرْ
ونثارُ فستان الطفولةِ…
زاهياً تحتَ الدماءِ…
وجرحُها في القلب غائِرْ
هي وحرةٌ في صدرنا تهَبُ الشواطئَ عزفَها…
فيعودُ للتسبيح في أجوائها…
مليونُ طائِرْ
هي وردةٌ مطعونةُ الأحشاءِ
ترقد في سَرائرنا
وفي شرُفاتِ مَنزلنا المحَاصَرْ
ويهزها وَجَعٌ خرافيٌّ
فتزهر في سجاياها المخاطرْ
تنسابُ ما بيني وبينَ رُبوعها
لغةٌ مضوَّأةٌ…
وسيفٌ باترٌ…
وأنين شاعِرْ
وجراح سوسنةٍ يحاصرها
شتاءُ الموتِ…
والصيف المداوِرْ
الليلُ كافِرْ…
ومشاعر الوطنِ المخبَّأ في الزوايا
حين يمتدُّ المساءُ…
يلفُّها طاغٍ وقاهِرْ
ونعودها مذبوحةَ الكلماتِ
في ساحاتها تشدو ملايينُ الحناجِرْ
هي غزةٌ…
لكنها لا تعرف الآتينَ من رجسِ الحفائِرْ
والهاربين من القضاءِ المرِّ في ليل المرائِرْ
والواثبين على ضياءِ الصُّبحِ في شبَحِ المقامِرْ
هي غزةٌ للمرةِ المليونِ…
رغمَ أنينِ طائرِها المُهاجِرْ.