ملائكة أم يعشقون البَيْضَ؟

ملائكة أم يعشقون البَيْضَ؟

اللوحة: الفنان الإسباني دييغو فيلاثكيث

في إنجلترا، وفي أثناء جولة لرئيس الوزراء البريطاني في حملة انتخابية، رَشَقته إحدى السيدات بالبيض، فمَسح السائل اللَّزِج عنْ وجهه ولم يُبد أي انفعال واستمر في سيره ونشاطه، وبعد فترة عاد لنفس المكان، فوجد السيدة التي قَذَفته بالبيض؛ فترك الجميع وتوجه إليها، ثم تحاور معها.

هذا مشهد متكرر في الدول المتقدمة، وكثيرا ما نستشهد به كوسيلة لجلد أنفسنا، ولكننا لم نهتم بأن نسأل أنفسنا السؤال البديهي: ما السر وراء هذا السلوك؟ ماهذه الجرأة من الناس على الساسة؟ وما هذا الخضوع واللين والرِفق من الساسة؟ هل هم ملائكة يمشون على الأرض؟ أم كائنات غريبة تَعْشق البيض سائلا على وجوههم؟

الساذج المتسرّع، هو من يجد تلك اللوحة دليلا على ملائكية الزعماء السياسيين؛ وأنَّ ضميرهم الحيّ وسَماحة أخلاقهم وراء تلك التصرفات، لكن السلطة المُطلقة يَنْدر في التاريخ البشرى أن يُسَجِّل لها مثل هذا التواضع واللين، فما الذي أوصلنا اليوم أنْ نعتبر تلك التصرفات طبيعية في شعوبهم؟ لم يتحولوا إلى ملائكة نُزعت منهم جُذور الغرور والطغيان، ولكنها الحداثة والمَدنية، “القفزة” التي سَبَقَنا بها الغرب سابقا والعالم حاليا، هؤلاء الزعماء لو تُرِكوا لطَبْعهم لخرج منهم أبْشع السلوكيات والشهوات، هم فقط مُنْضبطون ومتأدبون بأدب القرود، انضباط مَن يلوح فوق رأسه العصا أو السيف، هؤلاء يعلمون أنهم أمام مجتمع مدني ناضج، لا يسمح لأحدهم أنْ يصل لهذا المنصب إلا معتقدا وفاهما أنَّه في خدمة المواطن الذي يدفع الضرائب والذي بصوته يستطيع أنْ يَعزله ويُسقطه، فهو خادم الشعب وأجير عنده، ولهذا فللفرد الاحترام بلا قيود، وللشعب حرية كبيرة في مخاطبتهم، بينما ليس له تلك الحرية طالما كان متعرّضا لمنصب سياسي.

لو آلَمَتْه قذفة البيض وأشْعرته بالإهانة، ثم أخرج الوحش من داخله؛ لضاع مستقبله السياسي تماما، هذا مجتمع ناضج ويعرف أنَّ الإنسان هو الأول في هذا المجتمع، فما هو سر اختيار الغرب لهذا النمط من الحياة؟ السر هو النتيجة التي نراهم عليها اليوم، فلو لم يكن للمواطن هذه الحرية والكرامة لكانوا بجوارنا محتارين بين الأصالة والمعاصرة ويتجادلون في كيفية اختراع العجلة. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.