أحزان قارئة الفنجان

أحزان قارئة الفنجان

اللوحة: الفنان المصري  محمود فتيح

محمد محمود غدية

سألوا يوماً الكاتب الكبير برنارد شو عن الرأسمالية فأشار إلى رأسه الصلعاء وغزارة شعر ذقنه قائلاً: الرأسمالية كشعري هذا غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع، هكذا الساسة وقراء الطالع، لديهم القدرة على صياغة الكلمات البليغة والرشيقة والحادة منها سكين يشق الزبد، وهذا حال قارئة الفنجان ذات العيون الزيتونية الدافقة والجبهة العالية المشرقة، والوجه الذي يشبه إشراقة الصباح تستميل ولا تميل. 

ثلاثينية لها أنفاس اللوز وابتسام البرتقال، باسقة كسعف النخيل ابتسامتها تبدأ خفيفة ثم تزدهر وتلمع بغتة، جريئة متحدية مغامرة أشبه بواحة صغيرة تلمع فيها المياه وتتراقص الظلال، خيالها متقد تبدع الكلمات كأنها صائغ ماهر، الحرف لديها مصقول في غاية الصفاء والأناقة، هامسة مليئة بالشحنات العاطفية، بعيدة عن التبذير والثرثرة لا يمكن معرفة أغوارها، تقرأ الفنجان من باب تذكية الوقت، تحسبها مطلعة على حقائق الأشياء المعلومة والمغيبة، تأخذ منك معلومة وحيدة تنسج حولها الكثير، إذا لم تلمح خاتم الزواج في أصبعك تنبئك بزواج سعيد، تمنح التفاؤل كتاجر السعادة الذى يمنحك الراحة، لديها القدرة على لملمة المشاعر والود المفتقد وفك شفرات القلب المكلوم وعقد الكلمات، تتأمل الأشياء والموجودات، بشغف غير عادى لها حضور لافح، يباغت من يتعرض له ويجرده من كل أسلحة الدفاع عن النفس، ليست هناك صدفة في قاموس العالم المحكم، الذي نجرى لاهثين خلفه في محاولة لفك شفرة من أسراره ورموزه، التي كثيراً ما تستعصى على الكشف والمعرفة، الجميع يصدقونها في أغلب الأحيان ولماذا تكذب؟ لا تتقاضى نقوداً ولا تقبل أي نوع من الهدايا، تغلب عليها الرقة وهي تقلب الفنجان يميناً ويساراً في محاولة لفك شفرات الخطوط والدوائر والأشكال المتخلفة من احتساء القهوة، تتمتم بكلمات مبهمة، تبرق عيناها وتخفو ثم تستقيم الكلمات والألفاظ، زغردت أم الفتاة في فرح حين حدثتها عن عريس قادم لابنتها في يده حقائب سفر لبلاد بعيدة فيها الرزق الوفير والخير الكثير.. عقبالك تقولها أم العروس في عفوية غير مقصودة لقارئة الفنجان وهى لا تدرى أنها مررت الحزن بداخلها الذى كبر، تعيش بنفس مكسورة مثل بيت غير مسكون متهدم لم تفلح في زحزحة الهم، وحدها في ليل الرماد الطويل تتوجع وتبكى وتحلم بمن يشاركها وحدتها، تعطى الأمل للآخرين وتستجديه، ويموت منها جزء كل يوم في غياب الألفة والدفء.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.