د. محمد نور الدين
اللوحة: الفنان الفلسطيني محمد الركوعي
لست أبيض
ولا أسود
أيها الفتى
أنت الرماديُّ الذي لا صوت
يُسْمعه سوى الحدا
بين الركام أطلقْ نبضك
لا عليك
إن لم يَسمعْ صوتَك إلا الصدى
غابوا
أخوةُ البئر
فاصبر على قوم
خانوك
ثم أمعنوا فيك قتلا
ثم قتلا
اصرخْ ثم أمسكْ بالهواء
تراكَ في السماء صرتَ طيرا
بيتك المدى
ولهم عتمةُ الأحقاد
صدأ السكين
ينزّ بها دمكَ الأغلى
من كل ذهبهم وخيولهم
ومن كل نخلاتهم أعلى وأعلى
ماؤك البحر
وكلُّ بحرِك المالح أحلى
من عسلهم حتى لو كان
مصفّى مصفّى
ألفاً وألفاً أخرى
أيها الفتى
أعرني صوتَك الباكي
أغثني
لا تخفْ
أنت الحُرُّ في غمرة الركام
في وحشة الليل
لا تسأل عن أبيك
أو أمك
أو عن رفاق ما عادوا قبالتكْ
أفردّ يديك
وأنظر عالياً
ها هو الله يهبط
جناحين أبيضين واسعين
ورذاذَ مجد مدى الزمنّ
أنت الخالد
أنت السُنّةُ الباقية
أنت الوطن
أعرني حبك
أيها الفتى الرماديُّ
أعرني ما بان وما خفي
كل الجهات أنت
وأنت القبلة والمقتدى
أنت الصبي إذا تبسّمَ
أنت الشجاع إذ افتدى
عشر من السنوات
تمضي خلفك
ثم عشر أخريات
تكتب التاريخ
من الخراب
بدفق دمعك إذ يسيل دما
في شوارع غزة
تمحو به عارهم
فامضِ
لا تكترثّ
أنت الناي
وهم الفراغ
أنت القصيدة والصدر
أنت الدعاء
أنت الطوفان الأقصى
أنت النداء
وهم الظل والخواء
وكل موبقات الأرض
وجراد السماء
فامضِ أيها الفتى
واحداً.. مليوناً
أقل أو أكثر
امضِ
ساعةَ البأسِ
وردةَ الإعصارِ
امضِ يا فتى.