اللوحة: الفنان العراقي مهدي النفري
أسمعتهم عبارة واحدة لم أبدّلها: لا أعرف شيئًا, لم أر ولم أسمع, لست أدري ما حدث.
قالوا: لكنك كنت معهم, قطعت ذات الطريق, صاحبتهم في كل خطوة خاضوها, بل نعلم أنك سافرت معم إلى محافظات بعيدة, فكيف لم تعرف؟ على الأقل لاحظت ما لفت نظرك أثناء مشوارك الطويل معهم؟ هل من إشارة مرت تحت بصرك أو آية أثارت انتباهك؟
قلت: خجلي يمنعني, كيف أسأل عمّا لا يعنيني؟ وماذا إن فعلت ووجدت صدًّا وزجرًا؟
بغلظة, وكزني أحدهم, له بطن كبيرة تتدلى للأمام, قال: حديثك لا يقنع طفلًا, فهل لديك إجابة أخرى؟ فردتُ يدي على اتساعهما, رفعت كتفي لأعلى, تثاءبت, قلت: حقيقة واحدة أخفيتهما عنكم, ينبغي أن أقولها حتى يستريح ضميري.
-ما هي؟ عَلَتْ بعض الوجوه راحة وتفاءل بعضهم لقرب وضوح الصورة.
جعلت بيني وبينهم مسافة أمان, قلت: إنّي لم أعلم يقينًا ما حصل, بل لا أعرف هذين الشخصين حق المعرفة, أظن، وكثير من الظن حق كما تعلمون, أنهما وهمّ لا وجود لهما, لعلي لم أرهما, أجزم أنكم كذلك مثلي, رهان مقابل أي شيء تريدونه إن برهن لي أي منكم على مشاهدتهما أو لقائهما من قبل! ثم تفحّصت وجوههم, أكملت: فهل فعل أحدكم؟
أسقط في أيديهم, رأيتهم يقفون على أعتاب القلق, يبتلعون ريقهم بصعوبة, تنهشهم الحيرة بأنيابها الحادة.. عندئذ تركتهم وانحدرت في طريقي أعبر التقاطع الفاصل بين “جنينة الحصري” و” الصاغة”. أهمس لنفسي: لماذا لم يذهبوا إليهما بأسئلتهم هذه، وجاءوا إليّ؟
نون النسوة
طلبتني هاتفيًّا, حين لبيّت النداء ووقفت بين يديها, أمْسَكَتْ بأنامل مرتعشة قلم رصاص, ثم خطّت على الأرض فاصلًا بينها وبين العالم, قالت: سأهجر نون النسوة عمّا قريب, ثم غابت بعض وقت, عادت تحمل صُرّة ثقيلة ودفعت بها إليّ بيد واهنة, قالت: هي لك, احرص عليها.. غير أنني عدت وأعَطيتها إليها, قلت: لا يزال لدينا متسع, سآتيك العام المقبل لنتحدث.
-لكني لم أذهب.
-لم تهاتفني.
