عز الدين جلاوجي
اللوحة: الفنانة المجرية إلكا غيدو
- أنا ربكم
دخل المدينة على حين غفلة منا، كانت الريح عاصف فيها صر، وكان في الجو برد وقر، لزمنا جميعا بيوتنا لا نبرح، وكان صوته يصل قلوبنا كعواء الذئاب أو كشخير الغيلان، دثرنا الرعب فبتنا نرقب عين الصبح وما كاد حتى وجدناه يقف في الساحة فيه من كل شيء إلا شيء الإنسان، حين اكتمل جمعنا أخرج حبالا فإذا هي حيات ومد قامته فإذا هو أفعوان، فغرنا جميعا أفواهنا ورحنا نرمي إليه بكل ما نملك.
صاح فسكتنا قال:
– أنا ربكم الأعلى، لي هذه المدينة، أنتم نعالي وبغالي، وهي جبتي وجرتي.
خرسنا جميعا، تهادى أفعوانا، جأرنا:
-أنت ربنا الأعلى، أنت أنت!
ودون أن تسكت الشفاه اشرأبت الأعناق، وقامته تمتد كالحبل تصاعد إلى عرش الرب.
- الجــدار
قال صاحبي: يجب أن نهدم الجدار.. نظرت إليه بعينين زائغتين وتمددت قريبا منه، لم يسكت، أعاد ثانية: يجب أن نهدم الجدار! ضغطت على بطني الجائع وانكمشت.
تضعضع الجدار كسن عجوز، تهاوت بعض حجارته علينا، سحبني صاحبي بعيدا خوفا علي، عاد الجدار إلى مكانه.. تحاملت وقمت مبتعدا، أمسكني صاحبي يعيدني قائلا: يجب أن نهدم الجدار!
وما يعنيني أنا من أمر الجدار، فليسقط، فليتهاوى، فليتشظى، ماذا يعنيني أنا، منذ سنوات نبهنا الناس أنا وصاحبي إلى أن الجدار سيتهاوى، وقلنا لهم إن تحت الجدار كنز الآباء والأجداد وإذا تهاوى الجدار سيفتضح أمره وسيكون عرضة لنهب اللصوص والقراصنة، لم يبال الناس في أول الأمر وحين أصررنا وألححنا كلفونا بالمهمة، قالوا: أنتما أقدر، ألا تدعيان علم البناء؟ لم ننكر ذلك وقررنا أن نهدم الجدار ثم نعيد بناءه من جديد لكننا طلبنا مؤونة تكفينا طول أيام العمل، وماذا طلبنا؟ كسرة وماء، لا يقدر المرء على العمل دون كسرة وماء، فانقسم الناس إلى طوائف ثلاث: طائفة وافقتنا على أمرنا، طائفة طالبتنا بالعمل دون شروط، طائفة غلبوا على أمرهم صاحوا في مسمع المدينة: وما دخل هذين الدجالين؟
ثم تطورت نظريتها إلى أن هدم الجدار وإعادة بنائه تدخل في قضاء الله وقدره، وأشاعت في الناس أننا بفعلتنا هذه سنجلب السخط للمدينة، ثم تطورت نظريتها إلى وجوب حمل السلاح ضد كل من يخالفها الرأي، قررنا أن نجمع الناس في ساحة المدينة ليسمعوا منا ونسمع منهم، وحين تعالى لغطنا سمعنا دوي تهاوي الجدار، هرع معشر منا، لم نجد إلا حفرة الكنز وقد أخذه القراصنة.
- المنحة
جمع مجلس وزرائه، قص عليهم رؤياه: رأيت أرجلا مقطوعة تدلك ساقي، رأيت بعدها نفسي أعدو كالغزال!
قال كبيرهم: أطال الله عمر مولانا، تعبير الرؤيا أن تقطع بعضا من أرجل الرعية ثم تدلك بها ساقيك وستشفى من شللك الذي لازمك عقودا.
هلل المجلس لهذا التفسير العبقري، ثم ازدردوا ألسنتهم، انقدح مولاهم شررا وقال: بل أعلنوا في الرعية أني خصصت منحة لكل معوق تكفيرا عن أفعالي في قطع أرجل الصعاليك.
حين بزغ الفجر، تجمهر أفراد الرعية يتقدمهم كبير الوزراء وقد قطعوا جميعا أرجلهم!