اللوحة: الفنان الفرنسي جورج بيير سورا
هناك نكتة شهيرة عن شاب يسكن في العشوائيات، عُقْدَته هي معاناته اليومية مع الحمامات المشتركة، والوقوف كل صباح في الطابور ينتظر دوره، فيتورط يوميا في روتين الشِجَار على من يحق له الدخول أولا حتى يلحق مواعيد عمله.. ثم تتغير الظروف لسبب ما ويصبح ثريا، فيكون أول عمل له هو بناء فيلا كبيرة واسعة تتكون من عشرين حماما وغرفة واحدة!
هذا الرجل جاءته نِعمة، أخرجته من الفقر إلى الثراء، فغفل عن التفتيش في عقده التي منشأها حياة الفقر، وصحب عقدته معه في حياة الثراء، فصارت حياته الثانية والثرية مٌشَوَّهة مثل حياته الأولى، ولو اهتم بالشفاء أولا من تلك العقدة؛ لأدرك أنه يكفيه من الحمامات ما يكافئ عدد الغرف وسكَّانها، فلا يزحم منزله بالحمامات ويحرم نفسه من فائدة تنوع الغرف.
***
ورث سبَّاك مستشفى كبيرة، فأصبح رئيس مجلس إدارتها، ولكي يدمغ العهد الجديد ببصمته، كان يقضي كل وقته في رعاية مواسير المياه والصرف الصحي والتكييف وكل ما يخص السباكة والأنابيب، ويهمل بقية التخصصات الأخرى، وبمرور الأيام ترتقي المستشفى في مجال السباكة وتتراجع في كل المجالات الأخرى التي كانت أكبر من استيعابه.
***
هذا نموذج آخر لشخص لا يعاني من عقدة شخصية ولكنه متخصص في مجال مختلف ويصر على أن يمرر كل المجالات من خلال تخصصه، وكما يقول المثل: «الذي لا يعرف إلا المطرقة يتعامل مع كل الناس على أنهم مسامير»
***
عندما يحدث انتقال للإنسان وخاصة إلى الأمام، عليه أن يحترس من الجمود عند الأفكار والأدوات القديمة، وأن يتكيف مع الجديد في توازن نفسي، على الإنسان أن يَدخل الدين من الباب لأنه سيمر على جهاز كشف العُقَد ويخلعها قبل الدخول، فالذي يدخل من الباب يُصلَح ويُصْلِح، والذي يدخل من السرداب ومعه عقده، يَفْسَد ويُفْسِد.. وتكمن الخطورة في أن تلك العقدة سوف تصبغ الدين وكل الحياة، فتتشوه المعالم ويصبح الكبير صغيرا والصغير كبيرا، وتتقدم التوافه وتتأخر المُهِمَّات، فيصبح مثل صاحب الحمامات ومثل مدير المستشفى السباك.
***
في الدول المتقدمة، لا يشتغل المدرس بالتدريس في المدرسة أو الجامعة دون اختبار تربوي ونفسي دقيق، ويكون الاختبار العملي أهم من الاختبار النظري، ومن يفشل في الاختبار يشتغل في تخصصه بأنشطة أخرى غير التدريس والتعامل مع الطلاب، لأن الخطأ في اختيار المدرس قد يتسبب في تشويه نفسية الطلاب والعملية التعليمية، وهذا مثال للحرص على أن يكون المدرس بلا عقدة يمارسها على التلاميذ، وهكذا على المؤسسات أن تفتش عن العقد ومركبات النقص وتقاومها أو تعزلها عن المجتمع، فيصبح مجتمعا بلا عقد وبلا ضحايا لأصحاب العقد.
ليدخل الإنسان إلى ما يريد من أبوابه الكبرى، وكما يمسح الإنسان قدمه على الدواسة أمام الباب؛ عليه أن ينفض عنه عقده كما ينفض الغبار عن جسده؛ فالعقد هي العدو الأكبر، فليفتش عنها وينزعها مبكرا، ولا يقحمها في حياته ولا علاقاته ولا عباداته.
