اللوحة: الفنان العراقي منعم الحيالي
قلت بثقة من سبر أسرار الكون، يعرف دخائل الأنثى وما تخفي في صدرها: أعلم أني أسكن بأعماقكِ..
– من قال لك ذلك، ثم ندّت عنها ضحكة كتمتها بسرعة.
قلت: دقات قلبكِ حين أهاتفك وهي تسبق يدك لبدء المكالمة، لمعة عينيك حين نلتقي، فأنا أحتضنكِ كل لقاء بعينيّ وأنتِ ترتمين بين ذراعيّ تلتمسين دفئًا لا يوجد إلّا لديّ.
ردّت: أتعرف أنّي جعلت ركنًا خشبيًّا في غرفتي خصصّته لأغلفة قصص وروايات ودواوين لا حصر لها، حتى تراكمت بعضها فوق بعض.
قلت: لم أدرك المغزى؟
– أردت أن أخبرك أنك واهم، تلك ترهات المشتغلين بالأدب، أنا امرأة لا عزيز لديها ولا غالِ في قلبها.
– كأنك ستغلقين الباب في وجهي فجأة، ربما ستصرخين الآن: أبتعد فأنت تحجب الهواء عنّي والنور!
أجابت: ربما أفعلها، لقد مضت سنوات وهذا كثير، ولم أعتد ذلك، لكن ليس كما تقول. سأغيب عن المشهد فجأة.
قلت: كما تفعلين الآن؟
قالت: كل رصيد ينبغي له أن ينفد. فلا بقاء لشيء. والعاقل من يُلقي بكل مطلق خلف ظهره. فلا تقامر على ما لا يعقل.
أمّنت على كلامها، قلت: الحياة ذاتها رهان خائب. ثم ساد بيننا صمت قليل، أعقبه اعتذارها لمكالمة هامة ورادة إليها.
رسالة أولى وأخيرة
باختصار: أنا لم أخضع لبطلة من شخصيات قصصي من قبل، كما لم أسمح لواحدة منهن أن تلوي عنق قلمي. أنا من ينفخ فيهن الروح، أنا من يجعلهن يتنفسن، أنا من يدفعهن دفعًا ليرقصن على الورق، أنا من يغويهن لكي يتلاعبن بأفئدة القُرّاء..
لأني أدركت أن اللقاء قصير، فقد لخّصت فيه كل شيء، قلت: هذه رسالتي الأولى والأخيرة إليكِ، فلا تُثيري أعصابي، أنا لست من أولئك الرجال الذين تقتلعهم ريح “عاد” العاتية، ولا يعنيهم أن تنخسف الشمس، أو ينشق القمر، لن أعتصم بالجبل إن فار التنّور ولن أركب السفينة مع الفارين،. مقامي هنا مع المتعبين و الغرقى فالمصير واحد والنهاية مقدّرة.
كنت في قمة غضبي بعدما بعثت ليّ صورًا لأغلفة كُتب أُهديت لها، رأيتها تحوي مديحًا وإهداءً من بعض المريدين، قرأت ما كتبه آخرون غزلًا فيها، هيامًا بها، أحسست بغصة في حلقي.
بدا أن موجة غضبي يتعاظم حجمها بسرعة كبيرة، على وشك أن تطيح في طريقها ببقايا عقل، خشيت من آثارها، خفّفت من حدة كلامي، ثم أحكمت قبضتي على عنق نص جديد كاد يفلت من بين أصابعي.
