اللوحة: الفنان السوري قتيبة معمو
محمد محمود غدية

بصوت جهوري صاح حنورة التختوخ صعلوك القرية في الميكرفون: أبشري يا بلد المبروك صاحب الكرامات وصل بعلمه الساطع وعمله الباهر، أسموه بالتختوخ لسمنته المفرطة، فهو لا يكف عن الأكل وهو الحاضر على كل موائد القرية دون دعوة، ولا يكف عن سباب طارديه، فيتركونه مخافة لسانه.
أجاد فصاحة الكلم، من كثرة جلوسه في حضرة العلماء والشيوخ، يقرأ ويكتب حاصل على الابتدائية، تراه يساعد كل الناس ولا يأخذ منهم مقابل، لهذا أحبوه واطمئنوا له.
مازال صوته الصاخب في الميكرفون: من أجلك يا بلد، رفض تيجان الملوك وهجر العروش، ليفيض بخيره على البلد.. وبالطبع لا هناك ملوك ولا عروش لكنها قافية الإعلان، مضيفا يفك السحر والمربوط، ويفسر الأحلام، ويطيب المكلوم والمجروح والمهموم، يجلب الحظ ويعيد الحبيب والغائب البعيد، يزوج العانس ويفرح العاقر بالخصوبة والخلفة الكثير.
راج المبروك وأسمعت شهرته كل القرى المجاورة، البيت المتهدم والذي نشعت به الرطوبة، تغير بعد أن اشتراه من أصحابه، أصبح بطرز حديث، وبناية فاخرة وبوابة حديد وزجاج فاميه، تخلع حذائك قبل الدخول ببابه مرددا خلف سدنته ومريديه: دستور يا أسيادنا.
يجلس فوق كرسي فاخر بمسندين خلف أدخنة البخور يبسمل ويحوقل، مثلث الوجه، يرتدي عباءة خضراء، يحدق في بللورة زجاجية، يقولون عنها سحرية، وهي في الأغلب وعاء فارغ لأسماك الزينة، ترتفع يداه وتنخفضان وترتعش أطرافه، وتطوح رأسه الخالية من الشعر يمنة ويسرة.
لأول مرة يتم بناء موقف للسيارات والمكروباصات بالساحة المجاورة لبيته.. بعد أن كثر طلابه ومريديه انتشر الباعة الجائلين وكأننا أمام مولد كبير، وتم تسفيل الطرق المؤدية إليه، كل هذا التغيير الحادث بالقرية، بسبب دعاية التختوخ، الذي سكن ببيت المبروك وأصبح مدير أعماله، الكرامات امتدت لحرم عمدة القرية وشيخ الغفر، وعضو المجلس المحلي، الذي كتبت نهاية المبروك على يديه، حين انتكست صحته وأصيب بالعقم التام، كما أخبره طبيبه المعالج، أن الفائدة المرجوة في العلاج والأمل في الشفاء، باتت بوصفات المبروك مستحيلة، يطرد المبروك من القرية ويختفي.
بعدها قال البعض: إنه كان واحدا من كبار معتادي الإجرام من مطاريد الجبل.. وبالعودة الى القرية وأهلها، مازالوا يتباكون ويمضغون أحزانهم، ويلوكون تعاستهم وجهلهم.