خالد جمعة
اللوحة: الفنان الفلسطيني يوسف كتلو
ها أنتِ من جديد
تذهلين الفصولَ بشعركِ الناريّ
وتقدمين جمالاً لم تعرفه الطبيعةُ
حين تطعمين الطيورَ فتاتَ الفتاتِ
وتسمّينها بكلامٍ لا نفهمه
ها أنتِ من جديد
ترتجلين وطناً من جذعِ شجرةٍ قديمةٍ
أو من نوّار لوزةٍ
وحتى من بقايا صخرةٍ نسيَها الأنباطُ في الطريق
وتدفعيننا للعبِ مع الحضاراتِ
ودائماً كنتِ حكماً غيرَ عادلٍ في اللعبةِ
ها أنت من جديد
لا تشبهين مَن مرّت بالأمس
وكانت تحمل الرجال في ذاكرتها
والنساء في أغنياتها
تبدين أكثر نحافةً وحزناً
ها أنتِ من جديدْ
يداكِ هذه المرّة فارغتان من الأساور
من أين ستطعمين أولادك غداً؟
ها أنتِ من جديد
بائسة، لكنك ما زلتِ جميلةً
كأنّكِ خرجتِ للتوِّ من فرنِ الخلقِ
مخضّبةً بالعُصفرِ والليلَكِ البرّي
وبكلِّ موالٍ يعرفُه الناسُ
بكلِّ لغةٍ يعرفونها
ها أنت من جديد
لا تعني لك كلمات الحب شيئاً
لأن البردَ يطيّرُ الحبَّ
تماماً كما يطيّره الجوعُ
أيُّ وطنٍ يصيبُ أبناءه بالبردِ والجوع؟
ها أنتِ من جديد
دون قططٍ على بابِكِ
دونَ فراشاتٍ على زهورك الذابلة
دون فكرةٍ عمّن سيصلحُ قفلَ البابِ
وقد خزَّقَتهُ العداوةُ بين الجيران
تنتظرينَ قطاراً من غائبين لن يعودوا
ها أنتِ من جديد
قبلَ يومين كنتِ بلاداً رحبةً
وكُنّا عشاقاً طيبين
نضحّي لأجلك
نحبُّكِ
ونرسمُ أول حروفكِ على سواعدنا
لكنّه الوقتُ سيّدتي
لا يُبقي شيئاً على حاله
عن «حكايا غزة»