التلميح هو العجز اللغوي الأكثر جاذبية

التلميح هو العجز اللغوي الأكثر جاذبية

اللوحة: الفنان السوري بسام الحجلي

ماهر باكير دلاش

الناس عموما يحكمون بعيونهم أكثر من أحاسيسهم… الجميع يستطيع أن يرى ولكن القليل القليل من يرى بإحساسه؛ فالجميع يرى ما الذي تبدو عليه، لكن قلة هم من يلمسوا داخلك.

إن ارادة الانسان للسعي دوما وراء الحقيقة يعطيه فيضاً من الفراغ ليتمرغ فيه.. فراغ يجبره على محاولة إدراك – بل والجري – وراء الحقيقة كدافع للفضول.. حتى مع علمه أن الحقيقة دائماً وابداً أكثر بشاعة في عريها.. وعندها يصبح عبدا يقضي حياته لاهثا وراء حريته، حتى يكتشف أنها قد خلفته بلا دافع.. ضحية لضجره!!

تعلم الانسان – على الأقل – في العقل الباطن، أن يصول ويجول في أوقات الفراغ وراء اللاشيء؛ فالفراغ يمنحه مزيدا من الطاقة الفائضة المزيفة، والتي تجعله يحاول محموما.. لاهثا – مجبرا أو بلا شعور – وراء متعة مزيفة.. لتحقيق ذاته، لكن هيهات!!

منذ الأزل، والإنسان يرنو إلى شبيه ما يؤمن بنوره، ليرى شمسه تسطع.. ثم يقضي عمره بأرق سؤال: كيف يمكن أن تغيب الأشياء التي بدت وكأنها ستبقى إلى الأبد؟!

إدمان التفاصيل لعنة

يمعن دوما – الإنسان اللاهث وراء التفاصيل – في الموجات الملتهبة كحمم بركان ثائر من الأكاذيب آملا في تصديقها ليتنفس الصعداء.. يحاول محاصرة تلك الأكاذيب بانعتاق الوجوه المريبة من زيفها.. محاصرة أمنيات اللقاء المؤرجح بين تمني الحضور وتمني الغياب.. ثم لا يلبث أن يجد نفسه غريبا دخل متاهة مناديا: اقبض خطاك قليلا، هذا أوان البكاء.. هذا انهمار النزيف!!

هنا، يكمن انحسار الفكر الذي لا يجب أن يحد بأي شكل من الأشكال.. وهنا يكمن شتات العقل عند اتخاذ أي قرار في أي موقف.. فلا فكر يتطور ولا ذكاء يتقد!!

أصعب المعارك على الإطلاق.. عندما يدفع الإنسان قسرا ليكون شخصاً آخرا

إن الزمن الحاضر قد أفسد قيم الأمس الراسخة.. قاد الناس إلى الإكثار من لوم أنفسهم.. قادهم إلى التشنج المطلق.

إن هذا التشنج السافر أولى به أن يقودهم إلى إمعان النظر بروية إلى مشهد جديد للحياة.. مشهد يتحول فيه الحب إلى أنثى.. أنثى كل شيء فيها يوحي أنها خالية تماماً من دهاء بني البشر.. أنثى، في حضرتها يبقى المرء حائرا مندهشا، وكأن آخر شخص كتب له أن يرى مشهدا في هيئة أنثى طيبة صفة وشعورا.. مشهد بلا اسباب لحبه.. مشهد لا يعرفه المرء إلا بالتلميح ليعيشه.. أليس التلميح هو الاعجاز اللغوي الأكثر جاذبية؟!

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.