لماذا افتقدت أبي؟ – للأميركية إرما بومبيك

لماذا افتقدت أبي؟ – للأميركية إرما بومبيك

ترجمة: عصام محمد الجاسم

اللوحة: الفنانة الفرنسية بيرت موريسو

لم يكن أبي يفعل شيئاً، فلماذا افتقدته الى هذا الحدّ؟

عندما كنت صغيرة بدا لي أن الأب مثل مصباح الثلاجة، ولا ‏يكاد بيت يخلو من ثلاجة، لكن لا أحد يعرف تماماً ماذا يفعل هذا المصباح حين ينغلق باب تلك الثلاجة.

كان أبي يغادر البيت كل صباح وكان يبدو سعيدا برؤيتنا ثانية حين يعود في المساء. كان يفتح سدادة قارورة المخللات على المائدة حين يعجز الجميع عن فتحها، وكان الوحيد في البيت الذي لا يخشى النزول بمفرده إلى القبو، وكان يجرح وجهه وهو يحلق ذقنه، ولم يكن أحد يهتم بشأن هذا الجرح، فلا يواسيه بقبلة كي يخفف عنه ألمه، وكان من الطبيعي حينما ‏يهطل المطر أن يقوم بإحضار السيارة قرب باب المنزل، وحينما ‏يمرض أحدنا كان هو من يذهب إلى الصيدلية لإحضار الدواء.

كان دوما مشغولا بما فيه الكفاية، حيث ينصب فخاخا للفئران، ويشذب أغصان الورد في الممر حتى لا تؤذينا ونحن نسير للباب الأمامي للمنزل، ويظل یعاني من وخزات الأشواك طيلة يومين، وهو الذي كان (يُزيت) عجلات الزلاجات الخاصة بي كي تجري على نحو أسرع، وحين حصلت على دراجتي الهوائية كان هو الذي يركض إلى جانبي، وقطع ألف كيلومتر على الأقل قبل أن أسيطر عليها وحدي وأتعلم القيادة.

هو الذي كان يوقع كشف درجاتي المدرسية، وهو من ‏يحملني إلى سريري مبكرا، وكثيرا ما التقط لنا صوراً من دون أن يظهر في واحدة منها، وهو الذي كان يشد لأمي حبال الغسيل المرتخية، وقد كنت أخاف من آباء كل الأولاد، إلا أبي لا أخاف منه.. أعددت له الشاي ذات مرة وكان عبارة عن ماء فيه سكر بدون شاي، ومع ذلك جلس في المقعد الصغير وأخبرني أنه كان لذيذاً، وبدا مرتاحاً جداً. 

ذات مرة ذهبت ‏معه إلى الصيد في قارب صغير، وقمت برمي أحجار كبيرة ‏في الماء، فهددني حينها أنه سوف يرميني في البحر! لم أكن متأكدة بأنه ‏لن يفعلها، حينها نظرت مباشرة في عينيه، عرفت عندها أنه كان ‏يخدعني؛ فقمت بعدها برمي حجر آخر! 

عندما كنت ألهو بلعبة البيت كنت أعطي الدمية الأم مهمات كثيرة، ولم أكن أعرف ماذا أوكل من الأعمال للدمية الأب، لذلك كنت أجعله يقول: إنني ذاهب للعمل الآن، ثم أقذف به تحت السرير!

وذات صباح، عندما كنت في التاسعة من عمري لم ينهض أبي ليذهب الى العمل كعادته، بل ذهب إلى المستشفى! مات أبي، وافته المنية، في اليوم التالي، كان هناك كثير من الناس في منزلنا، أحضروا معهم أنواعا كثيرة من ‏الأكل والكعك. لم نتعود على هذا العدد الكبير من الضيوف من قبل.‏

ذهبت إلى حجرتي وتلمست تحت السرير بحثاً عن الدمية الأب، وحين وجدته نفضت عنه الغبار ووضعته على الفراش.لم أكن أتصور أن ذهابه سيؤلمني الى هذا الحد، لكن ذهابه لا يزال يؤلمني جدا حتى الآن، وافتقده أكثر من أي وقت مضى.


إرما بومبيك (1927 – 1996) روائية أميركية حققت شعبية واسعة بسبب صحيفتها التي تسمى (العمود) نشرت خمسة عشر كتابا وكتبت الكثير من المقالات مستخدمة حس الفكاهة، وتكتب أرما عن حياة ربة المنزل العادية التي تسكن الضواحي. وفي السبعينيات، كان ثلاثون مليون قارئ من تسعمائة صحيفة يقرئون مقالاتها أسبوعيا في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.