حوار مع الشاعرة حنان عبد القادر: الهايكو صورة شعرية موجزة تنقل إحساسا مفعما بالدهشة

حوار مع الشاعرة حنان عبد القادر: الهايكو صورة شعرية موجزة تنقل إحساسا مفعما بالدهشة

الحسن الكامح

اللوحة: الفنان الياباني بوسون يوسا

الشاعرة حنان عبد القادر من الشعراء الذين أجادوا كتابة الهايكو، خصوصا وأنها آتية من تجربة أدبية ثرية تنوعت بين مختلف الأشكال الشعرية؛ قصيدة النثر والقصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة. وفي حوار أجراه معها الشاعر الحسن الكامح لمجلة مدارات، أكدت الشاعرة حنان عبد القادر أن ما دفعها بداية إلى خوض غمار الهايكو هو التجريب، والذي يعتبر من أهم خصائص الأدب الحديث بشكل عام، والشعر بشكل خاص. مضيفة أن قصيدة الهايكو اليوم تعتبر من أهم التجارب الشعرية في الأدب المعاصر، عالميا وعربيا.. فللهايكو سحره الخاص، بقدرته على تكثيف اللحظة الحياتية العابرة بلغة بسيطة، أشبه بقريحة طفل مندهش بالطبيعة وبكافة أشكال الحياة ومظاهرها.. إنه فن الدهشة التي تعقب تأمل الشاعر العميق فيما حوله.. وحول تجارب الهايكو العربية وما إذا كان بالإمكان القول إن هنالك “هايكو عربي” تقول حنان: هنالك أزمة تتعلق بالمفاهيم الأدبية؛ فمفاهيم مثل: قصيدة النثر، الهايكو، الومضة، القصة القصيرة جدا.. الخ، تحتاج إلى تأصيل ودراسة واتفاق عليها. فالهايكو العربي – إذا ما جاز لنا القول – أُغرق بهبات من الأعاصير والموجات الكتابية غير المدروسة، والهجمات الانتقادية البعيدة عن الموضوعية، والتي أعاقت تطوره وتوطينه ضمن جغرافيا الذّائقة العربية. فالهايكو ليس مجرد نص يعتمد توزيعا محددا للكلمات والأسطر، بل أعمق من ذلك بكثير، إنه صورة شعرية موجزة تنقل إحساسا آنياً مفعما بالدهشة.

وإذا كان كل كتابة نثرية ليست بالضرورة قصيدة نثر، وليس كل نص يصف حدثا صغيرا يمكن وصفه بالقصة القصيرة جدا، فليس كل نص يعتمد شكل الهايكو من حيث توزيع الكلمات هو قصيدة هايكو.. هذا نوع من الإسفاف والتجهيل الكبير، وعدم احترام للفن ولا لمتلقيه.

وحول الأدب النسوي، تقول الشاعرة حنان عبد القادر: لا أحبذ إطلاق هذا المصطلح على الأدب الذي تكتبه امرأة، وأرفض التصور النقدي الذي يميّز بين الأدب كمفهوم عام والأدب النسائي كمفهوم خاص؛ فهو تصور استلابي تنميطي يجعل المرأة في مكانة دونية على السلم الاجتماعي والثقافي.. متسائلة، هل ثمة من يطلق على الأدب الذي يكتبه الرجل أدبا رجاليا أو ذكوريا؟ وتضيف: إذا كان لابد من ملاحظة خصوصية ما في الأدب الذي تكتبه النساء، فهو يحمل في مضامينه، ومن خلال تجارب ذاتية مليئة بالوعي، صور القهر والتهميش ومحو الهوية الذي تعاني منه المرأة؛ فكثير من نصوص الكاتبات مشحونة بالاحتجاج والرفض والتمرد والخروج على المألوف. ومن هذه الزاوية يمكن القول إن الكتابة الأدبية للمرأة العربية أسهمت في تحريرها من الاستلاب، وإعطائها حقها في التعبير عن وجودها الإبداعي، ونقل مكنونات ذاتها للمتلقي مباشرة.. ولذلك على الأدب الذي تنتجه المرأة أن يظل شاهدا على قضايا النساء ومعاناتهن، فهي الأقدر على تصوير شخصية المرأة وما تتعرض له، وما تخفيه من مكنونات ورغبات، وما تتوق إليه من تحرر ومساواة.. فإلى تفاصيل الحوار:

الشاعرة حنان عبد القادر: كل تجربة ولها بداية، كيف اختلى بك هذا الحلم الشعري، وأنت لازلت تتلمسين الطريق؟

لقد حملني سؤالك هذا بعيدا كمسافر في الزمن فعدت ما يقرب من أربعين عاما في الماضي، لقد بدأ برعم الشعر يتفتح في روحي وبدأت أتلمسه مذ كنت في العاشرة من عمري، لكن كل تجاربي التي عرضتها على الآخرين قوبلت بالسخرية، لكنني كنت أملك روحا عنيدة مثابرة، فلم يحبطني ذلك وواصلت الكتابة، ولعل الذي نمَّى بداخلي هذا الحس حبي لسماع الإذاعة، وتعلقي بصوت (فيروز وأم كلثوم وعبد الوهاب)؛ فكنت أرى كتابتي تحمل أنغاما داخلية وخارجية تطربني إلى حد ما، ولما بلغت الثالثة عشرة، أقدمت على الاشتراك في مسابقة لشعر الشباب على مستوى الجمهورية، عقدتها وزارة الشباب والرياضة في بلادي، لكن المشرف عليها لما قرأ ما كتبت نهرني، وألقى الأوراق في وجهي قائلا: أتظنين ما كتبتيه هذا شعرا؟ إنه لا يصلح إلا لسلة المهملات!

وكما قلت لك، إن روحي العنيدة أبت أن أصدق أو أستسلم؛ فذهبت للتقديم في المسابقة بنفسي، وقتها دهش الموظف الذي كان مخولا بجمع المشاركات في الوزارة من صغر سني وجرأتي، وسألني: مَنْ مِنَ الشعراء تحبين أن يكون قدوة لك؟ قلت من فوري: بيرم التونسي وإبراهيم ناجي، وجبران؛ فتبسم ضاحكا مندهشا من جوابي وقال: إن كنت تقرئين لهم، فبأمر الله ستكونين مثلهم.

وشاء القدر أن أفوز بالمركز العاشر، وكان هذا الفوز وهذا الموقف محفزا ودافعا لي لكي أثق أكثر في نفسي وما أكتب، وأن تلك البذرة التي كانت ما تزال تنبت بروحي على استحياء – بذرة الشعر – هي حقيقة، وينبغي أن أرعاها.

وبالإضافة لذلك، فقد كان لي والد يشجعني ويدفعني لكي أستمر، فهو ـ رحمه الله ـ حتى وفاته، كان قارئي وناقدي الأول الذي ينير دربي برأيه. وتستطيع أن تقول: إنه القدر، فلوثة الشعر خبط عشواء، تصيب من تصيب، وتخطئ من تخطئ، ولعلها أجمل اللوثات التي أصيبت بها روحي!

كيف أقنع شعر الهايكو الشاعرة حنان عبد القادر أن يتعانقا علانية، فتغير اتجاه تجربتها الشعرية؟

إن التجريب من أهم خصائص الأدب الحديث بشكل عام، والشعر بشكل خاص، وقد أصبح شعر الهايكو والتانكا اليوم من أهم التجارب الشعرية في الأدب المعاصر، ليس عربيا فقط، وإنما نجد ذلك في كل العالم، حيث هناك الكثير من الشعراء المعجبين بهذا اللون ويمارسون كتابته بشكل جيد في أمريكا وأوربا وغيرهما. 

لعله لهذا السبب – التجريب – قد اقتنعت من داخلي بمحاولة التجريب مع شعر الهايكو، وربما لِمَا قرأت عن أن هذا الشعر في منشئه كان مقصورا على الرجال، فلا يكتبه ولا يقرؤه إلا الرجال، فقررت أن أخوض مجاله بصدق، خاصة وقد وجدت في ذلك الترحيب والتشجيع من شاعرين لهما وزنهما ومصداقيتهما: الشاعر الهايكست حسني التهامي، والشاعر وليد الزوكاني.

وفي الحقيقة، إنني لم أغير اتجاه تجربتي الشعرية، لكنني أحاول أن أضيف لها أفقا جديدا وزخما وعمقا بممارستي لهذا الفن – شعر الهايكو- الذي يشبه فن الرسم الذي أعشقه، فقصيدة الهايكو رسم بالكلمات، وهي تشبه فن السينما الذي يعرض لك لقطة في ثوان معدودة، لكنها تعبر عن تجربة عميقة بما تحمله من معان، انظر مثلا لقول باشو:

هنا ونحن نفترق الآن

دعني أتحدث..  

بفصل زهرة ليلك عن غصنها!

فهو يرسم لنا مشهد فراق بين حبيبين أو صديقين بما يحمله ذلك من ألم وحزن، ويقابله في نفس الوقت بمشهد قطف زهرة ليلك عن غصنها الذي تنتمي إليه، ويتركك كمتلقٍ – مشاهد – تستشعر ما في ذلك من مشاعر إنسانية، ومن طرف خفي، هو يعلمك ألا تؤذي الطبيعة ولا تنتهك قدسيتها، فقطف زهرة هو جرم وألم يشبه ألم فراق المحبين، بل أشد وطأة.

انطلاقا من تلك الفلسفة، ومن هذا الجمال في الطرح، وجدتني متيمة بهذا اللون من الكتابة، وأتمنى أن أصل فيه إلى ما يرضيني.

الهايكو ليس مجرد نص يعتمد توزيعا محددا للكلمات والأسطر، بل أعمق من ذلك بكثير، إنه صورة شعرية موجزة تنقل إحساسا آنياً مفعما بالدهشة.  #حنان_عبد_القادر

كيف ترين هذا المولود ” شعر الهايكو” الذي نما في الأرض العربية تاركا جذوره في اليابان؟

شعر الهايكو هو فن الدهشة التي تعقب التأمل العميق فيما حولك، عندما ترى شيئا يستوقفك لدرجة أنه يدفعك لتقول للآخرين: يا الله! انظروا لهذا! وقتها تكون بالفعل قد وقعت في سحر الهايكو، وهو التحام وتماهٍ عميق مع الطبيعة والنفس الإنسانية؛ فالسر في كتابة نص هايكو ناجح أن تكون متيقظا لنواحي الجمال التي لا ينتبه لها غيرك في الكون، واسمح لي أن أقول: النواحي التي نراها مستهجنة أيضا؛ لتلفت النظر إليها وتحملها فلسفتك الخاصة التي تقود المتلقي إلى الشعور بالإعجاب والثناء أو النفور أو الحزن أو الفرح، وتترك في روحه علامة للتعجب! تلك الفلسفة التي تسعى لمعرفة الحقيقة الكامنة ببواطن الأشياء، وحسنها الخفي.

الهايكو مسحة صوفية، له سحره الخاص المتبدي في قدرته على تكثيف اللحظة الحياتية العابرة بلغة بسيطة أشبه بقريحة طفل مندهش لأول مرة بالحياة ومظاهرها، وتحويلها لحكمة تخلد في الزمن، فقصيدة الهايكو هدفها أن تسحر المتلقي بأن تكشف له الجمال الخفي في الكون من خلال لحظات التأمل والتنوير.

ثمة أزمة تتعلق بالمفاهيم الأدبية؛ فقصيدة النثر والهايكو والقصة القصيرة جدا، تحتاج إلى تأصيل ودراسة. والهجوم على الهايكو أعاق تطوره وتوطينه في الذّائقة العربية. #حنان_عبد_القادر

هل يمكننا أن نقول إن هناك “هايكو عربي”، (بنظرة ناقد ومتفحص للشأن الأدبي، بنظرة شاعر هايكيست)؟

في رأيي، إن الهايكو العربي مازال يترنح حتى الآن، خاصة وقد أغرق بهبات من الأعاصير والموجات الكتابية غير المدروسة، والهجمات الانتقادية البعيدة عن الموضوعية، منذ ظهوره في ستينات القرن الماضي – مع تحفظي على ذلك قليلا- وحتى اليوم، ولولا ثلة من الشعراء العرب المتمكنين من أدواتهم، والذين أقدرهم جميعا، لما استطاع هذا اللون أن يواصل مسيرته ووجوده على الساحة العربية حتى الآن، ودعني هنا أعرج على بعض الشعراء العرب الذين قرأت لهم ورأيت في نصوصهم الهايكو متمثلا؛ فأذكر منهم: محمد الأسعد، حسني التهامي، سامح درويش، محمد حلمي الريشة، محمود الرجبي، عذاب الركابي، هدى حاجي وغيرهم.

وللإجابة على سؤالك بشكل مباشر هل هناك هايكو عربي؟ نعم هو موجود وبقوة على أيدي هؤلاء الشعراء وفي كتاباتهم، ولكن للأسف، هو يلاطم بين كثير من الهراء والترهات المنسوبة للهايكو، وفي النهاية الدر يبقى، والغث تذروه الرياح.

هناك أزمة تتعلق بالمفاهيم الأدبية، فمفاهيم مثل (قصيدة النثر – الهايكو – التانكا – القصة القصيرة جدا – الومضة – قصة في ست كلمات مثلا.. الخ)، تحتاج إلى تأصيل ودراسة وتبيان واتفاق عليها، فليس كل كتابة نثرية هي قصيدة نثر، وليس كل لون يعتمد شكل الهايكو من حيث توزيع الكلمات والأسطر هو هايكو، وليس كل نص يصف حدثا صغيرا يمكن وصفه بالقصة القصيرة جدا،.. الخ، هذا نوع من الإسفاف والتجهيل الكبير، وعدم احترام للفن ذاته ولا لمتلقيه.

ما سر اشتغالك كشاعرة على هذا النوع الشعري دون غيره، والذهاب فيه بعيدا؟

في الحقيقة، إن لهذا اللون من الكتابة لسحرا، وإن له وقعا خاصا في النفس والذائقة، وإنه يطرح أمامك تحدٍ عليك أن تجتازه، فهو السهل الممتنع، رغم استسهال الكثيرين له والتصدي بجهالة لكتابته، هذا التحدي دفعني أن ألقي نفسي في خضم التجربة، خاصة وأنا أمتلك روح المغامر المحب لتعلم كل جديد، وأردت أن أضيف لتجربتي الإبداعية زخما وبعدا جديدا، ولم لا، والحياة كلها تجارب، وسلسلة لا تنتهي من الخبرات التراكمية التي إن صحت، أنتجت داخل أصدافها لؤلؤا يسر الناظرين! فلأدلُ بدلوي لعلي أخرج يوسف من جُبّهِ!

قصيدة الهايكو ليست مجرد نص يعتمد توزيعا محددا للكلمات والأسطر، بل أعمق من ذلك بكثير، إنه صورة شعرية موجزة تنقل إحساسا آنياً مفعما بالدهشة. #حنان_عبد_القادر

ما سر اهتمام الشعراء العرب بالهايكو؟ هل لنصوصه القصيرة ؟ أم اختزاله الصور الشعرية المكثفة ؟ أم لماذا ؟ وما رأيك (بنظرة ناقد ومتفحص للشأن الأدبي، بنظرة شاعر هايكيست)؟

لا أستطيع بدقة تحديد مقصدك من السؤال، هل تقصد الشعراء العرب؟ أم تقصد من يكتبون الهايكو في الوطن العربي؟

فإن كنت تقصد الشعراء العرب، فربما اهتموا به اهتمامهم بالتجريب ومحاكاة تجارب الآخرين، وطرق أبواب الفنون المختلفة للإفادة منها والإضافة إليها والابتكار فيها، كما حدث في الرواية وقصيدة النثر مثلا، فالتلاقح الثقافي سمة الحضارات الخالدة، ولم يرق شعب ظل حبيس عقله وإنجازاته فقط.

وإن كنت تقصد كتاب الهايكو في الوطن العربي، فدعني أتساءل: لماذا يصر أي كاتب أو مدعٍ للكتابة أن يتعلق بأذيال الشعر؟ ويسعى جاهدا أن يلصق لقب شاعر باسمه؟ فيسمح لنفسه بانتهاك حرمة الشعر والتقول عليه بلا علم؛ فيسيء له وللصادقين من كُتُّابه؟

إن كثيرا ممن يدعون أنهم يكتبون الهايكو لا علم لهم ولا دراية ولا معرفة بأبسط مقوماته، بل منهم من ليس له علم أصلا بقواعد العربية الصحيحة التي يدعي الكتابة بها، لكنهم – للأسف – رأوا في الخصائص التي يطرحها المنظرون والنقاد ما يستسهلونه، ويرون أنهم قادرون على تطبيقها والكتابة على نهجها، فيغرقون صفحات التواصل والمجلات مدعية الثقافة بترهاتهم، ويصنعون لأنفسهم ضجيجا أشبه بجعجعة بلا طحين، وللأسف إنهم يتواجدون بكثرة على الساحة، تجدهم حولك في كل مكان، ولكن كما قلت لك، في النهاية لا يصح إلا الصحيح.

هل ترين أن الاهتمام بهذا النوع الشعري بدرجة كبيرة هو عملية إبداعية سليمة؟

ولم لا؟ إن كان هذا اللون يضيف لنا زخما وعمقا، وما فائدة الابتكار والتجريب إذن؟ إنه يتيح لنا الفرصة لكشف المزيد واتساع الخبرة والمعرفة، وفي الحقيقة إن الاهتمام بأي لون من ألوان الإبداع هو طريقنا الوحيد للرقي، وربما خرج من بيننا من يبهرون العالم في تطويرهم وممارستهم لهذا الفن، فكم من تلميذ تفوق على معلمه! وفي اعتقادي إن هذا هو الفرق الجوهري بيننا وبين الغرب،

 فهم يدعمون كل جديد ويشجعون أصحابه ويتبنون مشاريعهم الإبداعية بلا سخرية أو إقلال، وفي المحصلة يتخرج من بينهم العباقرة والمبدعون الذين يقودون العالم.

أرفض مصطلح الأدب النسوي، فالتمييز بين الأدب كمفهوم عام والأدب الذي تكتبه امرأة كمفهوم خاص تمييز استلابي تنميطي يجعل المرأة في مكانة دونية على السلم الثقافي. #حنان_عبد_القادر

ما رأيك في الكتابات النسوية في العالم العربي؟ وأين يمكننا ترتيب الكتابة النسوية من خلال الإصدارات السنوية التي ارتفعت مقارنة مع السنوات الماضية، وحضورها في كل المجالات الإبداعية؟

بداية، هل ثمة من يطلق على الأدب الذي يكتبه الرجل أدبا رجاليا أو ذكوريا؟ سواء من النقاد أو الكتاب أو المتلقين؟

أنا لا أحبذ فكرة إطلاق هذا المصطلح «الأدب النسوي» على الأدب الذي تكتبه امرأة، وأرفض التصور النقدي الذي يميّز بين الأدب كمفهوم عام والأدب النسائي كمفهوم خاص؛ فهو مفهوم استلابي تنميطي مستبد، يجعل المرأة في مكانة دونية على السلم الاجتماعي والثقافي والأدبي، ويدل على قصور النقد العربي الذي نظر إلى هذه الكتابة من الظاهر دون أن يسعى إلى تناولها من الداخل بالبحث في أنساقها الفكرية والجمالية والإبداعية؛ فتسمية الأدب النسائي تسمية من خارج النص.

تقول سيمون دوبوفوار: «المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح كذلك حيث يعمد المجتمع الأبوي، استنادا على وجهة النظر هذه، إلى فرض مقاييس اجتماعية عن الأنوثة على جميع النساء»

الأدب الذي تكتبه النساء يحمل في مضامينه صور القهر والتهميش الذي تعاني منه المرأة؛ فكثير من نصوص الكاتبات مشحونة بالاحتجاج والرفض والتمرد والخروج على المألوف. #حنان_عبد_القادر

لقد شهدت الساحة الأدبية جهاداً مضنيا من الكاتبات، فقرار المرأة في أن تبدأ مهنتها ككاتبة لم يكن مساو لقرار الرجل لدى أغلب المجتمعات وكان هنالك قيود على ما تكتبه النساء وتتناولنه بالكشف من مشكلات ومواضيع، وقد مرت التجربة النسائية في الوطن العربي بمرحلتين:

مرحلة التأسيس: التي انطلقت فيها الأقلام النسائية منذ منتصف القرن الماضي، لتشارك في رصد الواقع وسرد تجربتها من خلال الصحافة المكتوبة، رغم أن الكثيرات كتبن تحت أسماء مستعارة، نظرا لظروفهن المجتمعية، فتناولن القضايا الاجتماعية والسياسية على استحياء، وكان ثمة صراع قائم بين الرغبة في الكتابة، وهي رغبة غالبا ما تكون قوية عند المرأة، وبين مجتمع يبدي عداء صريحا أو سخرية لاذعة أو يكتفي بعدم تقديرها.

مرحلة التجديد: التي انطلقت في العقد الأخير من القرن العشرين، وقد تشبعت الكتابة النسائية فيه بكشف صور القهر والتهميش ومحو الهوية، من خلال تجارب ذاتية مليئة بالوعي أو انطلاقًا من الذاكرة المليئة بصور ونماذج واقعية، فجاءت معظم النصوص مشحونة بالاحتجاج والرفض والتمرد بالخروج على المألوف.

لقد أسهمت الكتابة الأدبية للمرأة العربية في تحرير المرأة من الاستلاب وإعطائها حقها في التعبير عن وجودها الإبداعي ونقل مكنونات ذاتها للمتلقي حتى يرى صورتها الحقيقية دون زيف ودون وسائط مادية أو فكرية تحول بينها وبين المتلقي، فالأدب الذي تنتجه المرأة عليه أن يظل شاهدا على قضايا النساء ومعاناتهن، مما يزيد الوعي وينبه الرؤية، وقد يبقى كمرجع تاريخي لقضايا النساء في الوطن العربي وماذا قُدم لهن لحلها، فهي الأقدر في تصوير مختلف جوانب تجربتها الخاصة، وما تخفيه من مكنونات، ورغبات.

ما الكتاب الذي أثر في تجربتك الإبداعية من إبداع تاء التأنيث؟ 

أووه يا عزيزي! هذا السؤال يوقعني في مأزق الاختيار، فمن التي سأذكرها ومن التي سأغفلها؟

ولكن تأثرت في صغري بشعر الخنساء ورثائها صخرا، ثم توقفت مع لطيفة الزيات وروايتها «الباب المفتوح»، وتأثرت برسائل مي زيادة لجبران والحب الخفي بينهما، وتيمت بنوال السعداوي وجرأتها في الكتابة مذ قرأت لها «مذكرات طبيبة»، الذي قادني لقراءة معظم مؤلفاتها، ولا أنسى نازك الملائكة وديوانها «يغير ألوانه البحر» ، ثم تعرفت إلى آسيا جبار من خلال روايتها «بوابة الذكريات»، ولا أترك الإجابة عن هذا السؤال قبل أن أذكر غادة السمان و مجموعتها القصصية «رحيل المرافئ القديمة» و ديوان «أعلنت عليك الحب» فقد استطاعت أن تأسرني وتدخلني إلى عوالمها الرهيفة، وقد قرأت لسنية صالح زوجة الماغوط وحزنت أنها لم تنل ما تستحق في عالم الأدب، وغيرهن كثيرات لا يتسع المجال هنا لذكرهن. 

من الهايكست الذي أثر في تجربتك؟

بلا أدنى شك كان «باشو» رائد الهايكو الكلاسيكي، من أكثر كتاب الهايكو الذين قرأت لهم، حتى أني رحت أجمع قصائده المترجمة من هنا وهناك، وكثيرا لا تعجبني الترجمات التي تناولت نصوصه، فقد يخالجني شعور خفي أنه بالتأكيد لم يكن يقصد ذلك، لكن الترجمة عاجزة أن تنقل لنا مشاعره الحقيقية أو تأويل قوله، خاصة وهي غير مترجمة عن اللغة الأم مباشرة، فمعظمها مترجم عن الإنجليزية.

كيف ترى الإنسانة حنان عبد القادر الشاعرة حنان عبد القادر؟

سؤال تصعب الإجابة عنه، فمن الصعوبة بمكان أن يتجرد الإنسان عن ذاته تماما ليراها بموضوعية مهما حاول، لذا أرد السؤال إليك وإلى من قرأ لي أو تعامل معي، أو بحث عني في مواقع التواصل، أو تناول أعمالي بالنقد.

لكن دعني من خلال هذا السؤال أحاول التجرد والتحليق معك بعيدا في سموات ذلك الكائن الإنساني «حنان عبد القادر» والإجابة بما استطعت من موضوعية:

حنان الإنسانة عندما تنظر داخل أعماقها لتبحث عن حنان الشاعرة، يدهشها ما تملكه هذه الشاعرة من طاقات إيجابية، وحب للحياة، ورغبة في طرق كل جديد، وولع بالبحث والتعلم، فلها كتاباتها في معظم الألوان الشعرية والأدبية، ولها ولعها الخاص بالفنون التشكيلية والموسيقا والسينما والمسرح، وهي متيمة بالسفر والترحال، يا الله! لو أتيحت لها فرصة أكبر، أو عمر أطول، أو…. ربما ما توقف إبداعها عند هذا الحد، فهي رغم كل ذلك ما تزال مقصرة جدا في حق نفسها وفي حق إبداعها؛ لأنها لا توليه العناية التي يستحقها ليزدهر أفضل من ذلك.

عن مجلة «مدارات الثقافية»


حنان عبد القادر إسماعيل عاشور شاعرة وقاصّة وروائية وفنانة تشكيلية، مصرية من مواليد محافظة الشرقية، صدر لها ثمانية دواوين شعرية: «لا تدعني أرتحل» 1999، «دندنة» 2000، «عدنان.. عدْ» 2001، «أفئدة اليمام» 2014، «رفيف» 2015، ومجموعة قصصية «حدث ذات حلم» 2009»، وفي أدب الأطفال «صغير يعيد تشكيل وجه الحلم» شعر 2008، «حكايا حنُّونة – البطة الملكية» قصص 2019، «هيا نلون» 2023.

الحسَن الكامَح شاعر ومسرحي وروائي مغربي من مواليد مدينة تاونات، صدر له أربعة عشر ديواناً شعرياً، منها «اعتناقُ ما لا يُعْتَنَقُ» 1992، «هذا حالُ الدُّنْيا بُنَيَّ» 2013، «قَبْلَ الانصراف» 2014، «صَرْخَةُ أُمٍّ» 2014، «أراهُ فَأراني» 2014، «بدوي الطِّينَةِ» 2015، «أنتِ القصيدةُ» 2015، «للطِّينَةِ… أنْ تُزْهر مرتينِ» 2016، «وصايا الجسد» 2017، «صاعدا لا أرتوي» 2019.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.