قصتان: إعادة نظر.. مقولات خالدة

قصتان: إعادة نظر.. مقولات خالدة

اللوحة: الفنان الكندي مارسيل دزاما

  • إعادة نظر

في خضم حديثه قبيل ظهر اليوم، قال لي: ما خُلقت الشمس إلّا لتٌشرق كل يوم، ما كان غيابها أحيانًا إلّا لتخبر الناس أنها حاضرة، ثم تنهّد أستاذي، أكمل كلامه، قائلًا: ولأنها تٌشرق كما قلت لك، فهي أيضًا ستأتي.. 

أرّقتني عبارته الأخيرة، لذلك انتهزت فرصته لكي يلتقط أنفاسه عبر أثير شبكة الاتصال، سألته: من التي ستأتي؟ أتقصد الشمس يا مولانا أم أحدَا آخر؟

بهدوئه المعروف، سألني: هل تجادل في شروق الشمس؟

قلت: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، لكن..

  • لكنك تخشى أنها قد لا تأتي؟

أجبته: بل أخشى المفاجآت.

عاد وسألني من جديد: أتظن أن اتصالي بك الآن عفويّ أو صدفة؟

قلت: مثلك يحسب خطوته جيدًا، يعرف ما يفعل.

سرّه إطرائي له، ضحك حتى سمعت عبر الهاتف قهقهة مصحوبة بسعال من أثر الشيخوخة، ثم قال: شهدت سنوات سبعينات القرن الفائت مثل ذلك، إذ أحجمت الشمس ذات يوم عن الطلوع، أبت أن تٌشرق..

قلت: ثم ؟

قال: لا شيء، أمرتها أن تٌشرق ثانية ففعلت على الفور، ثم بصوت خفيض، لعله وقتها كان يتلفّت حوله، قال بلهجة آمرة: كن قوي الشكيمة معها.

تماديت في غبائي معه، سألته: مع من؟ 

ضج الشيخ بالضحك للمرة الثانية، تسرّبت كلمة واحدة نطقها بجهاد وسط سعاله الشديد: الشمس، ثم غرق من جديد في ضحكه. بينما كنت على الطرف الآخر من الهاتف أتهيّب الموقف كله، أتردد هل أجاوبه في ضحكه، أم أمسك عن الحديث وأعيد النظر في السماء كلها بحثًا عن الشمس!

  • مقولات خالدة 

وقد راجت تجارة القبعات كتقليعة غربية لم يألفها قدامى السكان من الجيران وغيرهم. نجدها متراصة على أرفف المحلات التجارية، على أرصفة الشوارع الرئيسة، في أيدي الباعة الجائلين، بصورة تلف النظر بأشكالها وأحجامها وألوانها. أصبحنا نقبل على شرائها، لا يسير أحد دون قبعة يضعها على رأسه أو يحملها تحت ابطه. 

نرفعها تحية وتقديرًا ل” سعيد جبر”، خسارته في كل مباراة كانت تحدث بحرفية عالية منه، كما أن مهارته في اللعب مكّنته من إنهاء الصراع ولو في غير صالحه، فهو المسيطر دائًما ولو كان مهزومًا. 

لطالما أدهشنا ذلك وأثار إعجابنا نحن المقربون منه، غيظ وحفيظة الأعادي والمبعدون من دائرته.

من مقولات ” سعيد جبر”، الخالدة والتي صارت حكمة بين الناس: يظل الصراع مكتومًا حتى يخطئ أو يسهو طرف ويأتي بحركة غير محسوبة، حينها تنكشف اللعبة كلها، تظهر للآخرين تفاصيلها المخفية عن الأعين من قبل، عندئذ تبدو في الأفق نُذر الهزيمة. كما أن نتيجة لعبة الشطرنج لا تقوم أبدًا على عبقرية الفائز، بل على خطأ غير مقصود من الخاسر.

ذلك هو ” سعيد جبر” يخسر عن قناعة، يبيت ليله هانئًا وبين أحضانه كأس الهزيمة.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.